الحسن الأشعري و الأشاعرة
. ظهور الأشاعرة
ظهرت الأشعرية بعد أن تنفس الناس الصعداء من سيطرة المعتزلة فى القرن الثالث الهجرى.
وهى فى الأصل نسبة إلى أبى الحسن الأشعرى، ظهر بالبصرة وكان أول أمره على مذهب المعتزلة ثم تركه واستقل عنهم، ولقد أصبح الانتساب إلى الأشعرى هو ما عليه أكثر الناس فى البلدان الإسلامية.
بعضهم على معرفة بمذهبه الصحيح وآرائه التى استقر عليها أخيراً، وبعضهم على جهل تام بذلك وبعضهم يتجاهل ويصر على مخالفته مع انتسابه إليه.
وانتساب الأشاعرة إليه إنما هو بعد تركه للاعتزال وانتسابه إلى ابن كلاب، وهى المرحلة الثانية من المراحل التى مر بها الأشعرى، ولم يدم فيها إذ رجع إلى مذهب السلف، ولكن بعض الأشاعرة ينتسبون إليه ولكن فى مرحلته الثانية، ومن انتسب إليه فى مرحلته الثالثة فقد وافق السلف، ونذكر فيما يلى نبذة موجزة عنه.
أبو الحسن الأشعرى
هو على بن إسماعيل الأشعرى ينتسب إلى أبى موسى الأشعرى، وهو أحد علماء القرن الثالث، تنتسب إليه الأشعرية، ولد فى البصرة سنة ١٥٠هـ وقيل: سنة ٢٧٠هـ وتوفى سنة ٣٣٠هـ على أحد الأقوال.
تعمق أولاً فى مذهب المعتزلة وتتلمذ على أبى على الجبائى محمد بن عبد الوهاب أحد مشاهير المعتزلة، إلا أن الله أراد له الخروج عن مذهبهم والدخول فى مذهب أهل السنة والجماعة، وتوج ذلك بما سجله فى كتابه "الإبانة عن أصول الديانة".
ومما يذكر عن سيرته أنه كان دائماً يتململ من اختلاف الفرق فى وقته وينظر فيها بعقل ثاقب، فهداه الله إلى الحق واقتنع بما عليه السلف من اعتقاد مطابق لما جاء فى القرآن والسنة النبوية فكان له موقف حاسم فى ذلك.
ومما يدل على ذكائه وطلبه للحق وإفحامه لخصمه فى المحاجة أنه سأل أستاذه( ) أبا على الجبائى عن ثلاثة أخوة كان أحدهم مؤمناً براً تقياً. والثانى كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائى: أما الزاهد ففى الدرجات، وأما الكافر ففى الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة.
فقال الأشعرى: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائى: لا لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعرى: فإن قال: ذلك التقصير ليس منى فإنك ما أبقيتنى ولا أقدرتنى على الطاعة، فقال الجبائى: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعرى: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالى فلم راعيت مصلحته دونى؟ فانقطع الجبائى.
لقد كان الأشعرى إماماً فذاً كثير التأليف واسع الاطلاع محبباً إلى الناس، ولهذا تجد أن كل طائفة تدعى نسبته إليها "فالمالكى يدعى أنه مالكى، والشافعى يزعم أنه شافعى، والحنفى كذلك"( ).
ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل :
- المرحلة الأولى : عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته . ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة .
- المرحلة الثانية : ثار فيها على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه ، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً ، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه ، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل : الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام ، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها .
- المرحلة الثالثة : إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل ، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل . ولم يقتصر على ذلك بل خلف مكتبة كبير ة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بثمانية وستين مؤلفاً ، توفي سنة ٣٢٤هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته : " اليوم مات ناصر السنة " .
- بعد وفاة أبو الحسن الأشعري ، وعلى يد أئمة المذهب وواضعي أصوله وأركانه ، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور ، تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده , من أبرز مظاهر ذلك التطور :
- القرب من أهل الكلام والاعتزال .
- الدخول في التصوف ، والتصاق المذهب الأشعري به .
- الدخول في الفلسفة وجعلها جزء من المذهب
تعمق أولاً فى مذهب المعتزلة وتتلمذ على أبى على الجبائى محمد بن عبد الوهاب أحد مشاهير المعتزلة، إلا أن الله أراد له الخروج عن مذهبهم والدخول فى مذهب أهل السنة والجماعة، وتوج ذلك بما سجله فى كتابه "الإبانة عن أصول الديانة".
ومما يذكر عن سيرته أنه كان دائماً يتململ من اختلاف الفرق فى وقته وينظر فيها بعقل ثاقب، فهداه الله إلى الحق واقتنع بما عليه السلف من اعتقاد مطابق لما جاء فى القرآن والسنة النبوية فكان له موقف حاسم فى ذلك.
ومما يدل على ذكائه وطلبه للحق وإفحامه لخصمه فى المحاجة أنه سأل أستاذه( ) أبا على الجبائى عن ثلاثة أخوة كان أحدهم مؤمناً براً تقياً. والثانى كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائى: أما الزاهد ففى الدرجات، وأما الكافر ففى الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة.
فقال الأشعرى: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائى: لا لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعرى: فإن قال: ذلك التقصير ليس منى فإنك ما أبقيتنى ولا أقدرتنى على الطاعة، فقال الجبائى: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعرى: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالى فلم راعيت مصلحته دونى؟ فانقطع الجبائى.
لقد كان الأشعرى إماماً فذاً كثير التأليف واسع الاطلاع محبباً إلى الناس، ولهذا تجد أن كل طائفة تدعى نسبته إليها "فالمالكى يدعى أنه مالكى، والشافعى يزعم أنه شافعى، والحنفى كذلك"( ).
النشأة
كان أبو الحسن الأشعري في نشأته الأولى معتزليا يأخذ المذهب عن الجبّائي، وما لبث أن عارض شيخه فأسس مذهبا مستقلا انتصر فيه بالأساليب الكلامية لأهل السنة خصوصا في المسائل المتعلقة بخلق القرآن والقضاء والقدر. ذكر ابن عساكر أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوما، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده المعتزلة، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس. وقد نال لذلك منزلة عظيمة بين الناس، وكثر أنصاره مؤيدوه من حكام وعلماء، ولقّبه بعض أهل عصره بإمام السنة والجماعة
علمنا فيما مضى أن الأشعرى كان على مذهب المعتزلة ومن العارفين به، وأنه أقام عليه مدة أربعين سنة، ومما يذكره العلماء عن سيرته ورجوعه عن الاعتزال ومذهب ابن كلاب إلى المذهب الحق، أنه مكث فى بيته خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الناس وفى نهايتها خرج فى يوم جمعة، وبعد أن انتهى من الصلاة صعد المنبر وقال مخاطباً من أمامه من جموع الناس:
"أيها الناس، من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا أعرفه بنفسى أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله تعالى لا يُرى بالأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع متصد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم.
معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة، لأنى نظرت فتكافأت عندى الأدلة ولم يترجح عندى شئ على شئ فاستهديت الله تعالى فهدانى إلى اعتقاد ما أودعته كتبى هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقد كما انخلعت من ثوبى هذا"، وانخلع من ثوب كان عليه ودفع للناس ما كتبه على طريقة الجماعة من الفقهاء والمحدثين( ).
وحينما انضم إلى أهل السنة والجماعة، فرحوا به فرحاً شديداً، واحترموه وعرفوا قدره وإخلاصه وتوجهه إلى الحق بيقين ثابت، وصارت أقواله حجة وآراؤه متبعة، بينما ثار عليه أهل الاعتزال وذموه بأنواع الذم غيظاً عليه، لوقوفه فى وجوههم وإبطال آرائهم المخالفة للحق وتركه لمذهبهم، خصوصاً وأنه كان من المتعمقين فى مذهبهم والعارفين بعواره.
ومما ينبغى ملاحظته أن ينتبه طالب العلم إلى تمويه المغرضين ممن يزعم أن الأشعرى لم يتب عن الاعتزال، وأن الإبانة مدسوسة عليه، وهو كذب وليس له ما يسنده، بل الصحيح الذى عليه عامة علماء السلف أن الأشعرى رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة وتاب من كل ما يخالفه، كما صرح بذلك فى كتبه كالإبانة وغيرها من مؤلفاته النافعة( ).
الإنتشار
في المشرق انتشر مذهب الأشعري في عهد دولة السلاجقة وبالتحديد في عهد وزارة نظام الملك الذي اهتم ببناء المدارس وربط المساجد ببعضها والذي كان يرفع من شأن العلماء، وقد تم تدريس المنهج الأشعري في مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامي وقتها. ، فلم تأت الحروب الصليبية إلا وكان المذهب الأشعري قد ساد المشرق بشكل غير مسبوق، فلما قضى السلطان صلاح الدين على دولة الفاطميين في مصر قام بتحويل الأزهر التي كانت على مذهب الإسماعيلية الشيعة المفروض من الفاطميين إلى مذهب أهل السنة والجماعة على منهج الأشاعرة في العقيدة والذي كان سائداً ومنتشراً في ذلك الوقت.
أما في بلاد المغرب العربي فإن يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين كان وطيد الصلة مع علماء الأشاعرة فابن رشد الجد (الملقب بشيخ المالكية) وهو من الأشاعرة كان قاضي القضاة زمن المرابطين ، وأبي عمران الفاسي الذي يعتبره بعض الباحثين من الأشاعرة ، كما أن أبو بكر بن العربي وهو من أهم علماء المالكية وممن كان يعتمد عليهم ابن تاشفين كان من تلاميذ الغزالي الذي كان أهم علماء المشرق في ذاك العصر ومن المعلوم أن الغزالي من كبار علماء الأشاعرة، وهناك من يرى أن محمد بن تومرت الذي أسقط دولة المرابطين وأسس دولة الموحدين على أنقاضها هو من أدخل أفكار الأشاعرة إلى المغرب العربي، إلا أنه مما يقوي الطرح الأول أن يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، عندما عزم على الدخول إلى الأندلس قام باستشارة أبو حامد الغزالي أحد أهم أئمة الأشاعرة، وهذا لا ينفي أن تدريس المنهج الأشعري ازدهر بعد سقوط دولة المرابطين، فنظراً إلى أن المغرب الإسلامي لم يشهد فرقاً فكرية متنوعة كالتي شهدها المشرق فإن هذا جعل أهل المغرب يعتنون بفروع الدين وبالأخص الفقه دون الأصول كالعقيدة وذلك لعدم وجود تنازع كالذي حصل في المشرق بين الأشاعرة وأهل الحديث من جهة والمعتزلة من جهة أخرى،
بينما أكد بعض علماء الأشاعرة أن المغرب الإسلامي ظل على معتقد أهل الحديث حتى زمن دولة المرابطين الذين أظهروا هذا المعتقد وحاربوا الفرق والعقائد الكلامية وأمروا بكتب الغزالي فاحرقت ثم خرج عليهم محمد بن تومرت داعياً إلى المعتقد الأشعري، وكفر المرابطين بدعوى أنهم مجسمة ومشبههة، وسمى أتباعه الموحدين تعريضاً بهم واستباح بذلك دماءهم وأموالهم وأعراضهم حتى قضى أتباعه من بعده على دولة المرابطين وأسسوا دولة الموحدين على أنقاضها متبنين منهج الأشاعرة، وظل المعتقد الأشعري هوالسائد عندهم حتى يومنا هذا
بعد أن استقر المغرب وانطفأت فيه الفتن بدأت حواضر علمية عدة في تبنّي منهجية تعليمية تنافس نظيراتها في المشرق ومن بين المناهج التي اعتمدت كان منهج الأشاعرة في العقيدة ومن أبرز أعلامه في المغرب الإسلامي الطّرطوشي، والمازري، والباجي، والقاضي عياض، والقرطبي، والقرافي، والشّاطبي وابن عاشر وأحمد زروق والسنهوري
الافكار العقائدية
مصدر التلقي:
أ- مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل ، وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والأيجي وابن فورك والسنوسي وشراح الجوهرة وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض ، وعلى هذا يرى المعاصرون منهم ، ومن هؤلاء السابقين من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة أصل من أصول الكفر وبعضهم خففها فقال هو أصل الضلالة .
ولضرورة الاختصار أكتفي بمثالين مع الإحالة إلى ما في الحاشية لمن أراد المزيد :
الأول : وضع الرازي في أساس التقديس القانوني الكلي للمذهب في ذلك فقال : الفصل الثاني والثلاثون في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية فكيف يكون الحال فيها ؟
اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة :
أ. إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال .
ب. وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال .
ج. وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية وذلك باطل .
لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم .
ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهماً غير مقبول القول ، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة .
فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً وأنه باطل .ه
ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية – القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة ، أو يقال أنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها .
ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر التأويلات على التفصيل ، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى ، فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق.
الثاني : يقول السنوسي ( ت ٨٨٥ ) في شرح الكبرى :
وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرد عليه أن حجتيهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي ، وأيضاً فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقادها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع.
ب- صرح – متكلموهم – ومنهم من سبق في فقرة أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشر عوارض منها : الاضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز … الخ ، وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي ، بل قالوا : من احتمال المعارض العقلي !!
ج- موقفهم من السنة خاصة أنه لا يثبت بها عقيدة ، بل المتواتر منها يجب تأويله وأحادها لا يجب الاشتغال بها حتى على سبيل التأويل ، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء ، وأنه في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة … إلى آخر ما لا استجيز نقله لغير المتخصين ، وهو في كتابه أساس التقديس والأربعين .ه
د- تقرأ في كتب عقيدتهم قديمها وحديثها المائة صفحة أو أكثر فلا تجد فيها آية ولا حديثاً ، لكنك قد تجد في كل فقرة (( قال الحكماء )) أو (( قال المعلم الأول )) أو (( قالت الفلاسفة ونحوها .
هـ- مذهب طائفة منهم وهم صوفيتهم – كالغزالي والحامي – في مصدر التلقي هو تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافقه ، وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعفونها حسب هذا الذوق ، كحديث إسلام أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهما الجنة بزعمهم ، ويسمون هذا العلم اللدني )) جرياً على قاعدة الصوفية (( حدثني قلبي عن ربي.
الثاني : إثبات وجود الله :
الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي أجل من الحصر ، ففي كل شيء له آية وعليه دليل .
أما الأشاعرة فعندهم دليل يتيم هو دليل الحدوث والقدم وهو الاستدلال على وجود الله بأن الكون حادث وكل حادث فلابد من محدث قديم ، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان … الخ ، ثم أطالوا جداً في تقرير هذه القضايا هذا وقد رتبوا عليه من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت العدو مثل إنكارهم لكثير من الصفات كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ونفي الجوهرية والعرضية والجهة والجسمية … إلى آخر المصطلحات البدعية التي جعلوا نفيها أصولاً وأنفقوا الأعمار والمداد في شرحها ونفيها ، ولو أنهم قالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لابد له من خالق لكان أيسر وأخصر مع أنه ليس الدليل الوحيد ولكنهم تعمدوا موافقة الفلاسفة حتى في ألفاظهم.
التوحيد
التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروفة بأقسامه الثلاثة وعندهم أول واجب على المكلف ، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليدين والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم .
أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر لها في كتب عقيدتهم إطلاقاً ولا أدري أين يضعونه أفي كتب الفروع ؟ فليس فيها أم يتركونه بالمرة فهذا الذي أجزم به .ه
أما أول واجب عند الأشاعرة فهو النظر أو القصد إلى النظر أو أول جزء من النظر أو .. إلى آخر فلسفتهم المختلف فيها وعندهم أن الإنسان إذا بلغ سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان واختلفوا فيمن مات قبل النظر أو في أثنائه ، أيحكم له بالإسلام أم بالكفر ؟!
وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون إن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعضهم كفره واكتفى بعضهم بتعصيته ، وهذا ما خالفهم فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله ونقل أقوالاً كثيرةً في الرد عليهم وإن لازم قولهم تكفير العوام بل تكفير الصدر الأول.
- فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع ، وبذلك جعلوا التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته مع تأويل أكثر صفاته جل وعلا. وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التوحيد حيث يعتقد أهل السنة والجماعة أن التوحيد أول واجب على العبد هو إفراد الله بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته على نحو ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل .
- يعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين والقدم والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء . وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه ، ولم يقتصروا على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل حيث أولوا أكثر نصوص الإيمان.
أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص - بمعنى تحريفه - أو تفويضه ، سواءاً كان في نصوص الصفات أو غيرها.
حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى، ... فذكر الحديث وقال: فقال رسول الله : "أيها الناس: إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريباً".
خرجت طرق هذا الخبر في كتاب: الذكر والتسبيح.
قال أبوبكر: فاسمعوا يا ذوي الحجا ما نقول في هذا الباب ونذكر بهت الجهمية وزورهم، وكذبهم على علماء أهل الآثار ورميهم خيار الخلق بعد الأنبياء بما الله قد نزههم عنه، وبرأهم منه، بتزوير الجهمية على علمائنا (أنهم مشبهة، فاسمعوا ما أقول وأبين من مذاهب علمائنا)، تعلموا وتستيقنوا بتوفيق خالقنا أن هؤلاء المعطلة يبهتون العلماء ويرمونهم بما الله نزههم عنه.
نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السموات العلى، وما بينهما من صغير وكبير، لا يخفى على خالقنا خافية في السموات السبع والأرضين السبع، ولا مما بينهم ولا فوقهم، ولا أسفل منهن لا يغيب عن بصره من ذلك شيء، يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه.
وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم، مما لا حجاب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم، وما يبعد منهم وإن كان يقع اسم القرب عليه في بعض الأحوال، لأن العرب التي خوطبنا بلغتها قد تقول: قرية كذا منا قريبة وبلدة كذا قريبة منا ومن بلدنا، ومنزل فلان قريب منا. وإن كان بين البلدين وبين القريتين وبين المنزلين فراسخ.
والبصير من بنى آدم لا يدرك ببصره شخص آخر، من بني آدم، وبينهما فرسخان فأكثر، وكذلك لا يرى أحد من الآدميين ما تحت الأرض إذا كان فوق المرئي من الأرض والتراب قدر أنملة، أو أقل منها بقدر ما يغطي ويواري الشيء، (وكذلك لا يدرك بصره إذا كان بينهما حجاب من حائط أو ثوب، صفيق أو غيرهما مما يستر الشيء) عن عبن الناظر، فكيف يكون يا ذوي الحجا مبها من يصف عين الله بما ذكرنا، وأعين بني آدم بما وصفنا.
ونزيد شرحاً وبياناً: نقول: عين الله (عز وجل) قديمة، لم تزل، باقية، ولا تزال محكوم لها بالبقاء، منفي عنها الهلاك، والفناء، وعيون بني آدم محدثة مخلوقة، كانت عدماً غير مكونة الله وخلقها بكلامه الذي هو: صفة من صفات ذاته، وقد قضى الله وقدر أن عيون بني آدم تصير إلى بلاء، عن قليل والله نسأل خير ذلك المصير وقد يعمي الله عيون كثير من الآدميين فيذهب بأبصارها قبل نزول المنايا بهم، ولعل كثيراً من أبصار الآدميين قد سلط خالقنا عليها ديدان الأرض حتى تأكلها وتفنيها بعد نزول المنية بهم، ثم ينشئها الله بعد، فيصيبها ما قد ذكرنا قبل في ذكر الوجه، (فما الذي يشبه يا ذوى الحجا عين الله التي هي موصوفة بما ذكرنا عيون بني آدم التي وصفناها بعد)؟
ولست أحسب: لو قيل لبصير- لا آفة ببصره ولا علة بعينه، ولا نقص، بل هو أعين، أكحل، أسود الحدق، شديد بياض العينين أهدب الأشفار: عينك كعين فلان، الذي هو: صغير العين، أزرق، أحمر بياض العينين، قد تناثرت أشفاره، وسقطت، أو كان أخفش العين، أزرق، أحمر بياض شحمها، يرى الموصوف الأول: الشخص من بعيد، ولا يرى الثاني مثل ذلك الشخص من قدر عشر ما يرى الأول، لعلة في بصره، أو نقص في عينه، إلا غضب من هذا وأنف منه، فلعله يخرج إلى القائل له ذلك إلى المكروه من الشتم والأذى.
ولست أحسب عاقلاً يسمع هذا المشبه عيني أحدهما بعيني الآخر، إلا وهو يكذب هذا المشبه عين أحدهما بعين الآخر، ويرميه بالعته، والخبل والجنون، ويقول له: لو كنت عاقلاً يجري عليك القلم: لم تشبه عيني أحدهما بعيني الآخر. وإن كانا جميعاً يسميان بصيرين، إذ ليسا بأعميين، ويقال: لكل واحد منهما عينان يبصر بهما، فكيف لو قيل له: عينك كعين الخنزير، والقرد، والدب، والكلب، أو غيرها من السباع، أو هوام الأرض، والبهائم، فتدبروا –يا ذوى الألباب- أبين عيني خالقنا الأزلي، الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال، وبين عيني الإنسان من الفرقان أكثر أو مما بين أعين بني آدم وبين عيون ما ذكرنا؟
تعلموا (وتستيقنوا أن من سمى علماءنا مشبهة) غير عالم بلغة العرب، ولا يفهم العلم، إذ لم يحز تشبيه أعين بني آدم بعيون) المخلوقين، من السباع والبهائم، والهوام، وكلها لها عيون يبصرون بها، وعيون جميعهم محدثة مخلوقة، خلقها الله بعد أن كانت عدما، وكلها تصير إلى فناء وبلى، وغير جائز إسقاط اسم العيون والأبصار عن شيء منها، فكيف يحل لمسلم لو كانت الجهمية من المسلمين أن يرموا من {يثبت لله عينا بالتشبيه، (فلو كان كل ما وقع} عليه الاسم كان مشبها لما يقع عليه ذلك الاسم)، لم يحز قراءة كتاب الله، ووجب محو كل آية بين الدقتين فيها ذكر نقس الله، أو عينه، أو يده، ولوجب الكفر بكل ما في كتاب الله (عز وجل) من ذكر صفات الرب، كما يجب الكفر بتشبيه الخالق بالمخلوق، إلا: أن القوم جهلة، لا يفهمون العلم، ولا يحسنون لغة العرب، فيضلون ويضلون.
والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد في كل ما نقول وندعو إليه.
قال: وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى لا يقال: هي هو ولا: هي غيره ولا: لا هو ولا: لا غيره.
والدليل على أنه متكلم بكلام قديم ومريد بإرادة قديمة: أنه قد قام الدليل على أنه تعالى ملك والملك من له الأمر والنهي فهو آمر نله فلا يخلو: إما أن يكون آمراً بأمر قديم أو بأمر محدث وإن كان محدثاً فلا يخلو: إما أن يحدثه في ذاته أو في محل أو لا في محل.
ويستحيل أن يحدثه في ذاته لأنه يؤدي إلى أن يكون محلاً للحوادث وذلك محال ويستحيل أن يحدثه في محل لأنه يوجب أن يكون المحل به موصوفاً ويستحيل أن يحدثه لا في محل لان ذلك غير معقول فتعين أنه: قديم قائم به صفة له.
ومن وافقهم قال أبو محمد وأما الأحوال التي ادعتها الأشعرية فإنهم قالوا أن هاهنا أحوالاً ليست حقاً ولا باطلاً ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء و قالوا من هذا علم العالم بأن له علماً ووجوده لوجوده و قالوا فإن قلتم أن لكم علماً بأن لكم علماً بالباري تعالى وبما تعلمونه وأن لكم وجوداً لوجودكم ما تجدونه سألناكم ألكم علم بعلمكم بأن لكم علماً وهل لكم وجود لوجودكم وجودكم ما تجدونه فإن أقررتم بذلك لزمكم أن تسلسلوا هذا أبداً إلى ما لا نهاية له ودخلتم في قول أصحاب معمر والدهرية.
وإن منعتم من ذلك سئلتم عن صحة الدليل على صحة منعكم ما منعتم من ذلك وصحة إيجابكم ما أوجبتم من ذلك وكذلك قالوا في قدم القديم وحدث المحدث وبقاء الباقي وفناء الفاني وظهور الظاهر وخفاء الخافي وقصد القاصد ونية الناوي وزمان الزمان وما أشبه ذلك.
و قالوا لو كان للباقي بقاء ولبقاء الباقي بقاء وهكذا أبداً إلى ما لا نهاية له قالوا فهذا يوجب وجود أشياء لا نهاية لها وهذا محال وهكذا قالوا في قدم القديم وقد قدمه وقدم قدم قدمه إلى ما لا نهاية له وفي حدوث المحدث وحدث حدثه وحدث حدث حدثه إلى ما لا نهاية له وهكذا قالوا في زمان الزمان وزمان زمان الزمان إلى ما لا نهاية وفي فناء الفاني وفناء فنائه وفناء فناء فنائه إلى ما لا نهاية له وكذلك ظهور الظاهر وظهور ظهوره وظهور ظهور ظهوره إلى ما لا نهاية له وكذلك القصد والقصد إلى القصد والقصد إلى القصد إلى القصد وهكذا إلا ما لا نهاية له وكذلك النية والنية للنية والنية للنية للنية إلى ما لا نهاية له وكذلك تحقيق الحق وتحقيق تحقيق الحق إلى ما لا نهاية له.
قال أبو محمد: أفكار السوء إذا ظن صاحبها أنه يدقق فيها فهي أضر عليه لأنها تخرجه إلى التخليط الذي ينسبونه إلى السوفسطائية وإلى الهذيان المحض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
أما العدم فإنه من صفات الزمن ومن فيه تقول ملك أقدم من ملك وزمان أقدم من زمان وشيخ أقدم من شيخ أي أنه متقدم بزمانه عليه والزمان متقدم بذاته على الزمان ليس في العالم قدم قديم الأزماني هذا هو حكم اللغة التي لا يوجد فيها غيره أصلاً فالقدم هو التقدم والتقدم متقدم بنفسه على غيره فقط لأن القدم موجود معلوم وهي صفة المتقدم فلا يجوز إنكاره وأما قدم القديم فباطل لأنه لم يأت به نص ولا قام بوجوده دليل وما كان هكذا فهو باطل وأما وجود الموجود فبضرورة الحس أن الموجود حق وأنه يقتضي واجداً وأن الواجد يقتضي وجوداً لما وجد هو فعل الواجد وصفته فهو حق لما ذكرنا ووجود الواجد يوجد بذاته لا بوجود هو غيره لأن وجود الوجود لم يأت به نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل وأما الباري عز وجل فإنه يجد نفسه ويعلمها ويجد ما دونه ويعلمه بذاته لا بوجود هو غيره ولا بعلم هو غيره فقط وكذلك العالم منا يقتضي علماً ولا بد هو فعل العالم وصفته المحمولة فيه عرضاً بيقين ويزيد ويذهب ويثبت أطواراً هذا ما لا شك فيه والعالم منا يعلم أنه يحمل علماً بعلمه ذلك لا بعلم هو غير علمه لأن العالم بالعلم لم يوجب وجوده نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل وكذلك الباقي مثاله بلا شك والبقاء هو اتصال وجوده مدة بعد مدة وهذا معنى صحيح لا يجوز أن ينكره عاقل فإما بقاء البقاء فلم يأت بإيجاب وجود نص ولا قام به برهان وما كان هكذا فهو باطل ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالبقاء ولا أنه باق كما لا يوصف بالخلد ولا بأنه خالد ولا بالدوام ولا بأنه دائم ولا بالثبات ولا بأنه ثابت ولا بطول العمر ولا بطول المدة لأن الله عز وجل لم يسم نفسه بشيء من ذلك لا في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قال ه قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا قام به برهان بل البرهان قام ببطلان ذلك لأن كل ما ذكرنا من صفات المخلوقين ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين إلا أن يأتي نص بأن يسمي باسم ما فيوقف عنده ولأن كل ما ذكرنا أعراض فيما هو فيه والله تعالى لا يحمل الأعراض وأيضاً فإنه عز وجل لا في زمان ولا يمر عليه زمان ولا هو متحرك ولا ساكن لكن ي قال لم يزل الله تعالى ولا يزال وأما الفناء فإنه مدة للعدم تعدها أجزاء الحركات والسكون ولا يجوز أن تكون للمدة مدة لكنها مدة في نفسها ولنفسها فالقول بالزمان حق لأنه محسوس معلوم وأما القول بزمان الزمان فهو شيء لم يأت به نص ولا قام بحصته برهان وما كان هكذا فهو باطل وأما ظهور الظاهر فهو متيقن معلوم والظهور صفة الظاهر وفعله تقول ظهر يظهر ظهوراً والظهور معلوم ظاهر بنفسه ولا يجوز أن ي قال أن للظهور ظهوراً لأنه لم يأت به نص ولا قام بصحته برهان وما كان هكذا فهو باطل وأما خفاء الخافي فهو عدم ظهوره والعدم ليس شيئاً كما قدمنا وأما القصد إلى الشي والنية له فإنما هما فعل القاصد والناوي وإرادتهما الشيء والقول بهما واجب لأنهما موجودات بالضرورة يجدهما كل أحد من نفسه ويعلمهما من غيره علماً ضرورياً وأما القصد إلى القصد والنية للنية فباطل لأنه لم يأت به نص ولا أوجبهما دليل وما كان هكذا فهو باطل والقول به لا يجوز فهذا وجه البيان فيما خفي عليهم حتى أتوا فيه بهذا التخليط والحمد لله رب العالمين.
الإيمان
الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبي ، واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عنه تصديق القلب أم لابد منه ، قال صاحب الجوهرة:ه
وفسر الإيمان بالتصديق والنطق به الخلف بالتحقيق
وقد رجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطي ، فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله لأنه لاشك في تصديقه له بقلبه ، وهو من شابهه على مذهبهم من أهل الجنة !!ه
هذا وقد أولوا كل آية أو حديث ورد في زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان .
ولهذا أطال شيخ الإسلام رحمه الله الرد عليهم بأسمائهم كالأشعري والبلاقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر أنهم على مذهب جهم بعينه ، وفي رسالتي فصل طويل عن هذه القضية فلا أطيل به هنا.
- بين المرجئة التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون العمل لصحة الإيمان ، وبين الجهمية التي تقول يكفي التصديق القلبي . ورجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين إن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين ، ( تبسيط العقائد الإسلامية ٢٩- ٣٢ ) . و مال إليه البوطي ( كبرى اليقينيات ١٩٦ ) . وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثيرة منها : ( أم حسب الذين اجترحوا اليسئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون ) . عليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم ، وكذلك أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كثير .
- الأشاعرة مضطربون في قضية التكفير فتارة يقولون لا تكفر أحداً ، وتارة يقولون لا تكفر إلا من كفرنا ، وتارة يقولون بأمور توجب التفسيق و التبديع أو بأمور لا توجب التفسيق ، فمثلاً يكفرون من يثبت علو الله الذاتي أو من يأخذ بظواهر النصوص حيث يقولون : إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر . أما أهل السنة والجماعة فيرون أن التكفير حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يستحقه شرعاً ، ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفرة بإثبات شروط وانتفاء موانع
وافق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ ، وأمور الآخرة من : الحشر والنشر ، والميزان ، والصراط ، والشفاعة والجنة والنار ، لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق صلى الله عليه وسلم ، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة ، وبذلك جعلوها من النصوص السمعية .
- كما وافقوهم في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم ، وأن ما وقع بينهم كان خطأً وعن اجتهاد منهم ، ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم ، لأن الطعن فيهم إما كفر ، أو بدعة ، أو فسق ، كما يرون الخلافة في قريش ، وتجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر ، ولا يجوز الخروج على أئمة الجور . بالإضافة إلى موافقة أهل السنة في أمور العبادات والمعاملات .
إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيمان، وندين بأنه يقلب القلوب وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل( )، وأنه عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع( ) كما جاءت الرواية عن رسول الله.
وندين بألا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله بالجنة، ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
ونقول: إن الله عز وجل يخرج قوماً من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة محمد رسول الله تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله.
ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وأن الميزان حق والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وأن الله عز وجل يوقف العباد فى الموقف ويحاسب المؤمنين.
وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ونسلم بالروايات الصحيحة فى ذلك عن رسول الله التى رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهى إلى الرسول ، وندين( ) بحب السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ونثنى عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم أجمعين.
القرآن
وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى ، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون التوفيقية حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب .
فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى عليه السلام ويسمعه الخلائق يوم القيامة .
ومذهب المعتزلة أنه مخلوق .
أما مذهب الأشاعرة فمن منطلق التوفيقية – التي لم يحالفها التوفيق – فرقوا بين المعنى واللفظ ، فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء .
واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف – ومنها القرآن – فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة ، بل هي عبارة عن كلام الله النفسي ، والكلام النفسي شيء واحد في ذاته ، لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن ، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه
واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم : إن الله خلقه أولاً في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون : إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال – لأنهم ينكرون علو الله – ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو ؟ فقال بعضهم : هو جبريل ، وقال بعضهم : بل هو محمد صلى الله عليه وسلم !
واستدلوا بمثل قوله تعالى : ( إنه لقوم رسول كريم ) في سورتي الحاقة والانشقاق حيث أضافه في الأولى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين جبريل أو محمد وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني .
قال شيخ الإسلام : وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة أحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال إنه قول البشر من مشري العرب.
وعلى القول أن القرآن الذي نقرؤه مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا ، فكشف بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال : يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم .
. يقول تعالى : (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله))
ان القران كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولا، وانزله على رسوله وحيا ، وصدّقه المؤمنون على ذلك حقا، وايقنوا انه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية .
" قمن سمعه قزعم انه كلام البشر فقد كفر ، وقد دمه الله وعابه واوعده بسقر". حيت قال تعالى (( ساصليه سقر )) – المدسر : ٢٦ .
فلما اوعدالله بسقر لمن قال (( ان هذا قول البشر)) – المدسر : ٢٥
افعال العباد
إن تركيب الإنسان النفسي والعضوي, و واقعه المشهود على مدار التاريخ, وطبيعة الحياة كما خلقها الله تعالى، و "الكبد" الذي خلق الإنسان فيه. و "الكدح" الذي لا ينفك عن بشر لتجيب جميعها بلا .
فالإنسان مع حرصه الفطري العنيد ومع السعي الدائم والحركة اللاهثة المستمرة يشتمل في تركيبه الذاتي على موانع كثيرة تحول بينه وبين استقلاله بذلك، ومنها على سبيل التمثيل "الضعف, الجهل، الظلم، العجلة، النسيان"
{إنه كان ظلموما جهولا} [ الأحزاب : ٧٢ ] .
{وخلق الإنسان ضعيفا} [ الأحزاب : ٢٨ ] .
{خلق الإنسان من عجل} [ الأنبياء : ٣٧ ] .
{ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي} ( )[ طه : ١١٥ ] .
والله تعالى هو وحده الذي يريد الشئ فيكون. {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [ يس : ٨٢ ] .
أما الإنسان فالمسألة بين إرادته الشئ وتحققه له قد تكون من الطول بحيث تستنفذ كل العمر وتستهلك كل الكدح وتبلغ به الغاية من الكبد ، بل قد لا يتحقق له مراده أصلاً مهما كدح وكابد .
وهذه المسافة هي معترك الخواطر والإرادات والانفعالات كما هي معترك العمل والنصب والجهد.
فالبواعث لا تفتر والمطامع لا تقف عند حد, ومع ذلك فالعوارض الباغتة والحوائل المانعة كالسهام المشرعة, حتى إن حصول المراد ليس إلا بداية لمخاوف كثيرة من احتمال فواته أو فوات العمر قبل الاستمتاع به, فالكبد والهم لاستدامته لا يقل عنهما للحصول عليه.
وهكذا يكون القلب البشري كجناح الطائر لا يكاد يقف حتى يرف، ويظل- العمر كله - ميدانا لمتعارضات تتعاوده ومتضادات تنتابه من خوف ورجاء, وحب وكره, واستكبار وانكسار, وغفلة وتذكر, وشك ويقين, وفرح وترح .
وهذه هي أعمال القلوب التي لا ينفك منها قلب بشري قط .
ومنشأ عدم الانفكاك أن الافتقار الذاتي ملازم للوجود الإنساني شامل للحياة كلها ؛ طولا : من لحظة الميلاد - بل من قبله - إلى لحظة الممات , وعرضاً : مهما اتسعت الإرادات والمطامع والأعمال .
ولما كانت أعمال القلوب هي الأصل في حركة الإنسان وسعيه ، كانت موضع التعبد الأصلي , ومحط نظر المعبود من العباد : " التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره ثلاث مرات " ( ). " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "( ) .
فإذا تذكرنا ما سبق تقريره من أن الله عز وجل - بلطفه وحكمته - أنزل الدين متسقا مع حقيقة النفس الإنسانية مساويا لفطرتها السوية علمنا أنه لا شيء من أعمال القلوب يقع خارج مجال التعبد بحال من الأحوال .
ومن ثم انقسم الناس من حيث الأصل فريقين :
أ. مؤمن يعبد الله وحده .
ب. مشرك يعبد غير الله معه أو من دونه .
وهذا - كذلك - هو السر في كون الإيمان درجات متفاوتة في قلوب الفريق الأول .
وهذا الإجمال يتضح بالفقرة التالية التي نريد بها العبور من الحقيقة النفسية إلى الحقيقة الشرعية .
إن ما سبق تقريره بشأن الافتقار الذاتي وتفرع أعمال القلوب عنه , هو وصف للحقيقة الإنسانية من حيث هي- مؤمنة أو كافرة - ولهذا نجده مشتركا بين فريقي البشر يحسه كل إنساني في نفسه سواء أعرب عنه لسانه أم عجز .
ولكن نقطة الالتقاء هذه يتفرع عنها طريقان مختلفان تمام الاختلاف - طريق الإيمان وطريق الكفر !
وهذا مثله كمثل عربتين تزودتا بوقود واحد وقادهما قائدان متماثلان في الخبرة والدراية . ولكن إحداهما انطلقت ذات اليمين والأخرى ذات الشمال .
ومن أبرز مظاهر الاختلاف بين المؤمن والكافر بالنظر إلى أن كلا منهما حارث وهمام كادح ومكابد مفتقر إلى غيره :
أ. اختلاف غاية كل منهما ومراده ومحبوبه ( ).
ب. اختلاف الأسباب الوسائط التي يتعلق بها القلب لتحقيق غاياته ومراداته .
ج. الاختلاف في الإقرار بحقيقة الافتقار بين حال وحال .
وكل هذا جاء تفصيله في القرآن والسنة على أكمل الوجوه , وقد جمعتها سورة الفاتحة من كل أطرافها واستوعبت كل معانيها .
رأية الله
وندين بأن الله تعالى يُرَى فى الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله ، ونقول: إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون فى الجنة، كما قال الله عز وجل: ))كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون(( ( )، وإن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية فى الدنيا، وإن الله سبحانه وتعالى تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه فى الدنيا، ونرى بألا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمور، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون. ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً.
يبدأ ابن حزم بإيراد أقوال الفرق بهذه المسألة، وعادة ما يكون التقسيم من فريقين: قال أبو محمد: ذهبت المعتزلة وجهم بن صفوان، إلى أن الله عز وجل يرى في الآخرة...... وذهب المجسمة إلى أن الله تعالى يرى في الدنيا والآخرة.
وذهب جمهور أهل السنة والمرجئة، وضرار بن عمرو( ) ، من المعتزلة إلى أن الله يرى في الآخرة، ولا يرى في الدنيا وقال الحسين بن محمد النجار هو جائز لم يقطع به ( ) ، وهكذا يورد ابن حزم آراء المتكلمين في مسألة الرؤية على شكل ملخص موجز، ثم يبدأ بعد ذلك بتفنيد أقوال المخالفين وهم المجسمة والمعتزلة مبيناً إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة: (( بقوة غير القوة الموضوعة في العين الآن، لكن بقوة موهوبة من الله عز وجل )) ( ) ، ثم يورد حجة المعتزلة في ذلك وهي قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الأنعام : ١٠٣) ، حيث يقول: (( وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك عندنا في الله زائد على النظر والرؤية)) ( ) ، ثم يبين معنى الإدراك والرؤية والفرق بينهما، وهذا مبحث لغوي قد أوضحنا أسلوب ابن حزم فيه، وبعد أن ينتهي من ذلك يورد بعض الاعتراضات للمعتزلة منها قول الجبائي( ) أن (( إلى )) في قوله تعالى:﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (القيامة : ٢٢ - ٢٣) ، ليست حرف جر لكنها اسم وهي: ( واحدة الآلاء وهي النعم، وهي في موضع مفعول ومعناه نعم ربها منتظرة) ( ) يقول ابن حزم راداً هذه الدعوى: ( هذا بعيد لوجهين ....إلخ) ثم يورد رده المحبك المدعوم بالأدلة، حتى إذا انتهى من ذلك كله بدأ بتقرير الرؤية ورؤية الله تعالى يوم القيامة كرامة للمؤمنين لا حرمنا ذلك الله من فضله ) ( )
الخلاصة
و العقائد الاسلامية عندهم :
• ويعتقدون أنّ الله تعالى مدعوّا ياسمائه ، موصوف بالصفاته التى سمي و وصف بها نفسه و وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم .
• فهو تعالى ذو العلم والقوة والقدرة والسمع واليصر والكلام ، كما قال الله نعالى :
( - طه : ٣٩ ) ، ( - هود : ٣٧ ) وقال ( - توبة : ٦ ) ، ( - النساء : ١٦٤ ) ، ( - النحل : ٤٠ )
• ويقولون انّ القران كلام الله غير مخلوق ، وانه كيفما تصرّف ، بقراءة القارى له وبلفظه و محفوظا فى الصدور ، متلوّا بالالسن ، مكتوبا فى المصاحف غير مخلوق ، ومن قال بخلق اللفظ بالقران يريد به القران فقد قال بخلق القران.
• ويقولون انه لاخلق الحقيقة الا الله وان الاكتساب العباد كلها مخلوقة لله ، وان الله يهدى من يشاء ، ويضل من يشاء ، لاحجة لمن اضلّه الله عزّ وجلا ولاعذر ، كما قال الله عزّوجل : ( - الانعام : ١٤٩ ) وقال : ( • - الاعراف : ٢٩-٣٠) ، ( • - الاعراف : ١٧٩ ) وقال : ( - الحديد : ٢٢ ) ومعنى (نبرأها ) : نخلقها بلا خلاف فى اللغة .
• ويقولون ان الخير والشر والحلوّ والمرّ بقضاء من الله عزّ وجل امضاه وقدره ، لايمنكون لانفسهم ضرّ ولا نفعا الا ما شاء الله.
• ويقولون ان الايمان قول وعمل و معرفة يريد بالطاعة وينقص بالمعصية ومن كثرت طاعته ازيد ايمانا ممن هو دونه فى الطاعة.
• ويعتقدون جواز الرأية من العباد المتفين لله عزّ وجل فى القيامة دون الدنيا ، و وجوبها لمن جاء على ذلك ثوابا له بالاخرة كما قال و ووحويها لمن جعل ثوابا له فى الاخرة كما قال : ( - القيامة : ٢٢ ) وقال فى الكفّار : ( • - المظفّفين : ١٥ ) فلو كان المؤمن كلهم يرونهم والكافر كلهم لا يرونهوم كانوا ياجماعهم عنه محجوب.
والله اعلم بالصواب
المراجع
• مصطفى بن محمد بن مصطفى, أصول وتاريخ الفــرق الإسـلاميـة (مصر: مكتبة مشكاة الإسلامية: 1424 هـ - 2003 م)
• أبي الفتح محمد عبد الكريم الشهرستاني, الملل والنحل (بيروت: دار الفكر, 2005م)
• عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي, الفرق بين الفرق (بيروت: دار المعرفة)
• للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله ، منهج الأشاعرة في العقيدة ، (مصر: مكتبة مشكاة الإسلامية)
• الإمام محمد أبو زهرى, تاريخ المذاهب الإسلامية (القاهرة: دار الفكر العربي, 1996م)
• Abdul Rozak, Rosihon Anwar, Ilmu Kalam (Bandung: Pustaka Setia kawan, 2006, cet.II)
• Tim Karya Ilmiyah Santri Lirboyo 2008, Aliran-Aliran Teologi Islam, (Kediri: Lirboyo, 2008, cet.1)
المقدم
الحمد لله الذي خلق السماوات وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون , وصلى الله وسلم على رسوله المبعوث رحمة للعالمين ، الذي أوضح الحجة وأبان المحجة وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.. أما بعد :
فإن التفرق في الدين والتخاصم في رب العالمين سنة الأمم قبلنا وواقع حالنا بعدهم ، وقد كانت أول فرقة مرقت من الدين وشقت صفوف المسلمين هي ( الخوارج ) . وإنما كان ضلالها حينئذ في مسألة الإيمان ؛ إذ كفرت المسلمين بالذنوب ، واستحلت دمائهم وأموالهم ، ثم تتابعت الفتن وظهرت الفرق ، وكلما ظهرت البدع وانتقـصت الطاعات وارتكـبت المحرمات ازداد حال الأمة تفرقاً وذلاً وضلالاً.
هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ربى أصحابه على التسليم والاتباع والسمع والطاعة ، فلا تقديم بين يدي الله ورسوله ، ولا اعتراض على أمره ، ولا تولي عن طاعته، فكانوا خير أصحاب وحواريين كما كان نبيهم صلى الله عليه وسلم خير نبي ورسول .
آمنوا بالله ورسوله الإيمان الصادق الحي الذي أثنى الله تعالى عليهم به في كتابه ، وما عرفوه فلسفة ولا نظريات ولا جدلاً ، وإنما هو الطاعة في المنشط والمكره ، والصبر في الرخاء والشدة ، والجهاد بكل معنى من معاني الجهاد.
لم يزل هذا الإيمان يكمل ويزداد من زمن الاضطهاد والحصار بمكة ، إلى أحداث أحد والخندق بالمدينة ، إلى أيام مؤتة وحنين وتبوك ، حتى استقامت نفوسهم وزكت قلوبهم وصلحت أعمالهم ، فما قبض الله تعالى صفيه من خلقه إلا وقد صاروا أهلاً لحمل الأمانة وإبلاغ الرسالة والقيام بأمر هذا الدين كله .
فاجتثوا خبث المرتدين ، ثم ثنوا بالدولتين العظمتين فركبوا إليها البر الأجرد والبحر الأخضر ، وما كانت إلا سنوات معدودات حتى أنفقت كنوز كسري وقيصر في سبيل الله عز وجل ، وأصبحت الظعينة تسير من خراسان إلى الأندلس لا تخاف إلا الله، ودفع ملوك الهند والصين الجزية لأتباع خاتم المرسلين ، وخمدت نار المجوسية وخنست النواقيس والصلبان إلى غياهب أوروبا الهمجية ، وظهر أمر الله وأعداؤه كارهون .
كما أشكر للجامعة معهد العلى هاشم الاشعرى، مما أتيح لي من فرصة لطلب العلم ، وأخص بالشكر الأخوة العاملين بمركز البحث العلمي، وكذا كل من قدم لي خدمة ، أو أسدى إلى توجيهات من الأساتذة الكرام أو الأخوة الزملاء.
والحمد لله أولاً وآخراً
فهرس
المقدم.......................................................................................................................1
الحسن الأشعري و الأشاعرة.................................... ..................................................2
ظهور الأشاعرة.....................................................................................................2
أبو الحسن الأشعرى...................................................................................................2
النشأة.......................................................................................................................4
الإنتشار....................................................................................................................5
الافكار العقائدية.........................................................................................................6
مصدر التلقي .........................................................................................................6
الإيمان...................................................................................................................13
القرآن....................................................................................................................14
افعال العباد.............................................................................................................16
رأية الله..............................................................................................................18
المراجع
فهرس
المقدم.......................................................................................................................ii
فهرس.....................................................................................................................iii
الحسن الأشعري و الأشاعرة.................................... ..................................................1
ظهور الأشاعرة.....................................................................................................1
أبو الحسن الأشعرى...................................................................................................1
النشأة.......................................................................................................................4
الإنتشار....................................................................................................................5
الافكار العقائدية.........................................................................................................7
مصدر التلقي ..........................................................................................................9
الإيمان...................................................................................................................15
القرآن....................................................................................................................14
افعال العباد.............................................................................................................16
رأية الله...............................................................................................................21
المراجع..................................................................................................................23
الحسن الأشعري و الأشاعرة
. ظهور الأشاعرة
ظهرت الأشعرية بعد أن تنفس الناس الصعداء من سيطرة المعتزلة فى القرن الثالث الهجرى.
وهى فى الأصل نسبة إلى أبى الحسن الأشعرى، ظهر بالبصرة وكان أول أمره على مذهب المعتزلة ثم تركه واستقل عنهم، ولقد أصبح الانتساب إلى الأشعرى هو ما عليه أكثر الناس فى البلدان الإسلامية.
بعضهم على معرفة بمذهبه الصحيح وآرائه التى استقر عليها أخيراً، وبعضهم على جهل تام بذلك وبعضهم يتجاهل ويصر على مخالفته مع انتسابه إليه.
وانتساب الأشاعرة إليه إنما هو بعد تركه للاعتزال وانتسابه إلى ابن كلاب، وهى المرحلة الثانية من المراحل التى مر بها الأشعرى، ولم يدم فيها إذ رجع إلى مذهب السلف، ولكن بعض الأشاعرة ينتسبون إليه ولكن فى مرحلته الثانية، ومن انتسب إليه فى مرحلته الثالثة فقد وافق السلف، ونذكر فيما يلى نبذة موجزة عنه.
أبو الحسن الأشعرى
هو على بن إسماعيل الأشعرى ينتسب إلى أبى موسى الأشعرى، وهو أحد علماء القرن الثالث، تنتسب إليه الأشعرية، ولد فى البصرة سنة ١٥٠هـ وقيل: سنة ٢٧٠هـ وتوفى سنة ٣٣٠هـ على أحد الأقوال.
تعمق أولاً فى مذهب المعتزلة وتتلمذ على أبى على الجبائى محمد بن عبد الوهاب أحد مشاهير المعتزلة، إلا أن الله أراد له الخروج عن مذهبهم والدخول فى مذهب أهل السنة والجماعة، وتوج ذلك بما سجله فى كتابه "الإبانة عن أصول الديانة".
ومما يذكر عن سيرته أنه كان دائماً يتململ من اختلاف الفرق فى وقته وينظر فيها بعقل ثاقب، فهداه الله إلى الحق واقتنع بما عليه السلف من اعتقاد مطابق لما جاء فى القرآن والسنة النبوية فكان له موقف حاسم فى ذلك.
ومما يدل على ذكائه وطلبه للحق وإفحامه لخصمه فى المحاجة أنه سأل أستاذه( ) أبا على الجبائى عن ثلاثة أخوة كان أحدهم مؤمناً براً تقياً. والثانى كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائى: أما الزاهد ففى الدرجات، وأما الكافر ففى الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة.
فقال الأشعرى: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائى: لا لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعرى: فإن قال: ذلك التقصير ليس منى فإنك ما أبقيتنى ولا أقدرتنى على الطاعة، فقال الجبائى: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعرى: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالى فلم راعيت مصلحته دونى؟ فانقطع الجبائى.
لقد كان الأشعرى إماماً فذاً كثير التأليف واسع الاطلاع محبباً إلى الناس، ولهذا تجد أن كل طائفة تدعى نسبته إليها "فالمالكى يدعى أنه مالكى، والشافعى يزعم أنه شافعى، والحنفى كذلك"( ).
ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل :
- المرحلة الأولى : عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته . ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة .
- المرحلة الثانية : ثار فيها على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه ، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً ، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه ، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل : الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام ، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها .
- المرحلة الثالثة : إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل ، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل . ولم يقتصر على ذلك بل خلف مكتبة كبير ة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بثمانية وستين مؤلفاً ، توفي سنة ٣٢٤هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته : " اليوم مات ناصر السنة " .
- بعد وفاة أبو الحسن الأشعري ، وعلى يد أئمة المذهب وواضعي أصوله وأركانه ، أخذ المذهب الأشعري أكثر من طور ، تعددت فيها اجتهاداتهم ومناهجهم في أصول المذهب وعقائده , من أبرز مظاهر ذلك التطور :
- القرب من أهل الكلام والاعتزال .
- الدخول في التصوف ، والتصاق المذهب الأشعري به .
- الدخول في الفلسفة وجعلها جزء من المذهب
تعمق أولاً فى مذهب المعتزلة وتتلمذ على أبى على الجبائى محمد بن عبد الوهاب أحد مشاهير المعتزلة، إلا أن الله أراد له الخروج عن مذهبهم والدخول فى مذهب أهل السنة والجماعة، وتوج ذلك بما سجله فى كتابه "الإبانة عن أصول الديانة".
ومما يذكر عن سيرته أنه كان دائماً يتململ من اختلاف الفرق فى وقته وينظر فيها بعقل ثاقب، فهداه الله إلى الحق واقتنع بما عليه السلف من اعتقاد مطابق لما جاء فى القرآن والسنة النبوية فكان له موقف حاسم فى ذلك.
ومما يدل على ذكائه وطلبه للحق وإفحامه لخصمه فى المحاجة أنه سأل أستاذه( ) أبا على الجبائى عن ثلاثة أخوة كان أحدهم مؤمناً براً تقياً. والثانى كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائى: أما الزاهد ففى الدرجات، وأما الكافر ففى الدركات وأما الصغير فمن أهل السلامة.
فقال الأشعرى: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائى: لا لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعرى: فإن قال: ذلك التقصير ليس منى فإنك ما أبقيتنى ولا أقدرتنى على الطاعة، فقال الجبائى: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعرى: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالى فلم راعيت مصلحته دونى؟ فانقطع الجبائى.
لقد كان الأشعرى إماماً فذاً كثير التأليف واسع الاطلاع محبباً إلى الناس، ولهذا تجد أن كل طائفة تدعى نسبته إليها "فالمالكى يدعى أنه مالكى، والشافعى يزعم أنه شافعى، والحنفى كذلك"( ).
النشأة
كان أبو الحسن الأشعري في نشأته الأولى معتزليا يأخذ المذهب عن الجبّائي، وما لبث أن عارض شيخه فأسس مذهبا مستقلا انتصر فيه بالأساليب الكلامية لأهل السنة خصوصا في المسائل المتعلقة بخلق القرآن والقضاء والقدر. ذكر ابن عساكر أن أبا الحسن الأشعري اعتزل الناس مدة خمسة عشر يوما، وتفرغ في بيته للبحث والمطالعة، ثم خرج إلى الناس في المسجد الجامع، وأخبرهم أنه انخلع مما كان يعتقده المعتزلة، كما ينخلع من ثوبه، ثم خلع ثوبا كان عليه ورمى بكتبه الجديدة للناس. وقد نال لذلك منزلة عظيمة بين الناس، وكثر أنصاره مؤيدوه من حكام وعلماء، ولقّبه بعض أهل عصره بإمام السنة والجماعة
علمنا فيما مضى أن الأشعرى كان على مذهب المعتزلة ومن العارفين به، وأنه أقام عليه مدة أربعين سنة، ومما يذكره العلماء عن سيرته ورجوعه عن الاعتزال ومذهب ابن كلاب إلى المذهب الحق، أنه مكث فى بيته خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الناس وفى نهايتها خرج فى يوم جمعة، وبعد أن انتهى من الصلاة صعد المنبر وقال مخاطباً من أمامه من جموع الناس:
"أيها الناس، من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا أعرفه بنفسى أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله تعالى لا يُرى بالأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع متصد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم.
معاشر الناس إنما تغيبت عنكم هذه المدة، لأنى نظرت فتكافأت عندى الأدلة ولم يترجح عندى شئ على شئ فاستهديت الله تعالى فهدانى إلى اعتقاد ما أودعته كتبى هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقد كما انخلعت من ثوبى هذا"، وانخلع من ثوب كان عليه ودفع للناس ما كتبه على طريقة الجماعة من الفقهاء والمحدثين( ).
وحينما انضم إلى أهل السنة والجماعة، فرحوا به فرحاً شديداً، واحترموه وعرفوا قدره وإخلاصه وتوجهه إلى الحق بيقين ثابت، وصارت أقواله حجة وآراؤه متبعة، بينما ثار عليه أهل الاعتزال وذموه بأنواع الذم غيظاً عليه، لوقوفه فى وجوههم وإبطال آرائهم المخالفة للحق وتركه لمذهبهم، خصوصاً وأنه كان من المتعمقين فى مذهبهم والعارفين بعواره.
ومما ينبغى ملاحظته أن ينتبه طالب العلم إلى تمويه المغرضين ممن يزعم أن الأشعرى لم يتب عن الاعتزال، وأن الإبانة مدسوسة عليه، وهو كذب وليس له ما يسنده، بل الصحيح الذى عليه عامة علماء السلف أن الأشعرى رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة وتاب من كل ما يخالفه، كما صرح بذلك فى كتبه كالإبانة وغيرها من مؤلفاته النافعة( ).
الإنتشار
في المشرق انتشر مذهب الأشعري في عهد دولة السلاجقة وبالتحديد في عهد وزارة نظام الملك الذي اهتم ببناء المدارس وربط المساجد ببعضها والذي كان يرفع من شأن العلماء، وقد تم تدريس المنهج الأشعري في مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم الإسلامي وقتها. ، فلم تأت الحروب الصليبية إلا وكان المذهب الأشعري قد ساد المشرق بشكل غير مسبوق، فلما قضى السلطان صلاح الدين على دولة الفاطميين في مصر قام بتحويل الأزهر التي كانت على مذهب الإسماعيلية الشيعة المفروض من الفاطميين إلى مذهب أهل السنة والجماعة على منهج الأشاعرة في العقيدة والذي كان سائداً ومنتشراً في ذلك الوقت.
أما في بلاد المغرب العربي فإن يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين كان وطيد الصلة مع علماء الأشاعرة فابن رشد الجد (الملقب بشيخ المالكية) وهو من الأشاعرة كان قاضي القضاة زمن المرابطين ، وأبي عمران الفاسي الذي يعتبره بعض الباحثين من الأشاعرة ، كما أن أبو بكر بن العربي وهو من أهم علماء المالكية وممن كان يعتمد عليهم ابن تاشفين كان من تلاميذ الغزالي الذي كان أهم علماء المشرق في ذاك العصر ومن المعلوم أن الغزالي من كبار علماء الأشاعرة، وهناك من يرى أن محمد بن تومرت الذي أسقط دولة المرابطين وأسس دولة الموحدين على أنقاضها هو من أدخل أفكار الأشاعرة إلى المغرب العربي، إلا أنه مما يقوي الطرح الأول أن يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، عندما عزم على الدخول إلى الأندلس قام باستشارة أبو حامد الغزالي أحد أهم أئمة الأشاعرة، وهذا لا ينفي أن تدريس المنهج الأشعري ازدهر بعد سقوط دولة المرابطين، فنظراً إلى أن المغرب الإسلامي لم يشهد فرقاً فكرية متنوعة كالتي شهدها المشرق فإن هذا جعل أهل المغرب يعتنون بفروع الدين وبالأخص الفقه دون الأصول كالعقيدة وذلك لعدم وجود تنازع كالذي حصل في المشرق بين الأشاعرة وأهل الحديث من جهة والمعتزلة من جهة أخرى،
بينما أكد بعض علماء الأشاعرة أن المغرب الإسلامي ظل على معتقد أهل الحديث حتى زمن دولة المرابطين الذين أظهروا هذا المعتقد وحاربوا الفرق والعقائد الكلامية وأمروا بكتب الغزالي فاحرقت ثم خرج عليهم محمد بن تومرت داعياً إلى المعتقد الأشعري، وكفر المرابطين بدعوى أنهم مجسمة ومشبههة، وسمى أتباعه الموحدين تعريضاً بهم واستباح بذلك دماءهم وأموالهم وأعراضهم حتى قضى أتباعه من بعده على دولة المرابطين وأسسوا دولة الموحدين على أنقاضها متبنين منهج الأشاعرة، وظل المعتقد الأشعري هوالسائد عندهم حتى يومنا هذا
بعد أن استقر المغرب وانطفأت فيه الفتن بدأت حواضر علمية عدة في تبنّي منهجية تعليمية تنافس نظيراتها في المشرق ومن بين المناهج التي اعتمدت كان منهج الأشاعرة في العقيدة ومن أبرز أعلامه في المغرب الإسلامي الطّرطوشي، والمازري، والباجي، والقاضي عياض، والقرطبي، والقرافي، والشّاطبي وابن عاشر وأحمد زروق والسنهوري
الافكار العقائدية
مصدر التلقي:
أ- مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل ، وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والأيجي وابن فورك والسنوسي وشراح الجوهرة وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض ، وعلى هذا يرى المعاصرون منهم ، ومن هؤلاء السابقين من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة أصل من أصول الكفر وبعضهم خففها فقال هو أصل الضلالة .
ولضرورة الاختصار أكتفي بمثالين مع الإحالة إلى ما في الحاشية لمن أراد المزيد :
الأول : وضع الرازي في أساس التقديس القانوني الكلي للمذهب في ذلك فقال : الفصل الثاني والثلاثون في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظواهر النقلية فكيف يكون الحال فيها ؟
اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة :
أ. إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال .
ب. وإما أن يبطل فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال .
ج. وإما أن يصدق الظواهر النقلية ويكذب الظواهر العقلية وذلك باطل .
لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم .
ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية صار العقل متهماً غير مقبول القول ، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول وإذا لم تثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة .
فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً وأنه باطل .ه
ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية – القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال أنها غير صحيحة ، أو يقال أنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها .
ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر التأويلات على التفصيل ، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى ، فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق.
الثاني : يقول السنوسي ( ت ٨٨٥ ) في شرح الكبرى :
وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرد عليه أن حجتيهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي ، وأيضاً فقد وقعت فيهما ظواهر من اعتقادها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع.
ب- صرح – متكلموهم – ومنهم من سبق في فقرة أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشر عوارض منها : الاضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز … الخ ، وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي ، بل قالوا : من احتمال المعارض العقلي !!
ج- موقفهم من السنة خاصة أنه لا يثبت بها عقيدة ، بل المتواتر منها يجب تأويله وأحادها لا يجب الاشتغال بها حتى على سبيل التأويل ، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء ، وأنه في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة … إلى آخر ما لا استجيز نقله لغير المتخصين ، وهو في كتابه أساس التقديس والأربعين .ه
د- تقرأ في كتب عقيدتهم قديمها وحديثها المائة صفحة أو أكثر فلا تجد فيها آية ولا حديثاً ، لكنك قد تجد في كل فقرة (( قال الحكماء )) أو (( قال المعلم الأول )) أو (( قالت الفلاسفة ونحوها .
هـ- مذهب طائفة منهم وهم صوفيتهم – كالغزالي والحامي – في مصدر التلقي هو تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافقه ، وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعفونها حسب هذا الذوق ، كحديث إسلام أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهما الجنة بزعمهم ، ويسمون هذا العلم اللدني )) جرياً على قاعدة الصوفية (( حدثني قلبي عن ربي.
الثاني : إثبات وجود الله :
الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي أجل من الحصر ، ففي كل شيء له آية وعليه دليل .
أما الأشاعرة فعندهم دليل يتيم هو دليل الحدوث والقدم وهو الاستدلال على وجود الله بأن الكون حادث وكل حادث فلابد من محدث قديم ، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان … الخ ، ثم أطالوا جداً في تقرير هذه القضايا هذا وقد رتبوا عليه من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت العدو مثل إنكارهم لكثير من الصفات كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ونفي الجوهرية والعرضية والجهة والجسمية … إلى آخر المصطلحات البدعية التي جعلوا نفيها أصولاً وأنفقوا الأعمار والمداد في شرحها ونفيها ، ولو أنهم قالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لابد له من خالق لكان أيسر وأخصر مع أنه ليس الدليل الوحيد ولكنهم تعمدوا موافقة الفلاسفة حتى في ألفاظهم.
التوحيد
التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروفة بأقسامه الثلاثة وعندهم أول واجب على المكلف ، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليدين والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم .
أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك ومعرفته والتحذير منه فلا ذكر لها في كتب عقيدتهم إطلاقاً ولا أدري أين يضعونه أفي كتب الفروع ؟ فليس فيها أم يتركونه بالمرة فهذا الذي أجزم به .ه
أما أول واجب عند الأشاعرة فهو النظر أو القصد إلى النظر أو أول جزء من النظر أو .. إلى آخر فلسفتهم المختلف فيها وعندهم أن الإنسان إذا بلغ سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان واختلفوا فيمن مات قبل النظر أو في أثنائه ، أيحكم له بالإسلام أم بالكفر ؟!
وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون إن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعضهم كفره واكتفى بعضهم بتعصيته ، وهذا ما خالفهم فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله ونقل أقوالاً كثيرةً في الرد عليهم وإن لازم قولهم تكفير العوام بل تكفير الصدر الأول.
- فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع ، وبذلك جعلوا التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته مع تأويل أكثر صفاته جل وعلا. وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التوحيد حيث يعتقد أهل السنة والجماعة أن التوحيد أول واجب على العبد هو إفراد الله بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته على نحو ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل .
- يعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين والقدم والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء . وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه ، ولم يقتصروا على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل حيث أولوا أكثر نصوص الإيمان.
أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص - بمعنى تحريفه - أو تفويضه ، سواءاً كان في نصوص الصفات أو غيرها.
حدثنا سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى، ... فذكر الحديث وقال: فقال رسول الله : "أيها الناس: إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريباً".
خرجت طرق هذا الخبر في كتاب: الذكر والتسبيح.
قال أبوبكر: فاسمعوا يا ذوي الحجا ما نقول في هذا الباب ونذكر بهت الجهمية وزورهم، وكذبهم على علماء أهل الآثار ورميهم خيار الخلق بعد الأنبياء بما الله قد نزههم عنه، وبرأهم منه، بتزوير الجهمية على علمائنا (أنهم مشبهة، فاسمعوا ما أقول وأبين من مذاهب علمائنا)، تعلموا وتستيقنوا بتوفيق خالقنا أن هؤلاء المعطلة يبهتون العلماء ويرمونهم بما الله نزههم عنه.
نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السموات العلى، وما بينهما من صغير وكبير، لا يخفى على خالقنا خافية في السموات السبع والأرضين السبع، ولا مما بينهم ولا فوقهم، ولا أسفل منهن لا يغيب عن بصره من ذلك شيء، يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه.
وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم، مما لا حجاب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم، وما يبعد منهم وإن كان يقع اسم القرب عليه في بعض الأحوال، لأن العرب التي خوطبنا بلغتها قد تقول: قرية كذا منا قريبة وبلدة كذا قريبة منا ومن بلدنا، ومنزل فلان قريب منا. وإن كان بين البلدين وبين القريتين وبين المنزلين فراسخ.
والبصير من بنى آدم لا يدرك ببصره شخص آخر، من بني آدم، وبينهما فرسخان فأكثر، وكذلك لا يرى أحد من الآدميين ما تحت الأرض إذا كان فوق المرئي من الأرض والتراب قدر أنملة، أو أقل منها بقدر ما يغطي ويواري الشيء، (وكذلك لا يدرك بصره إذا كان بينهما حجاب من حائط أو ثوب، صفيق أو غيرهما مما يستر الشيء) عن عبن الناظر، فكيف يكون يا ذوي الحجا مبها من يصف عين الله بما ذكرنا، وأعين بني آدم بما وصفنا.
ونزيد شرحاً وبياناً: نقول: عين الله (عز وجل) قديمة، لم تزل، باقية، ولا تزال محكوم لها بالبقاء، منفي عنها الهلاك، والفناء، وعيون بني آدم محدثة مخلوقة، كانت عدماً غير مكونة الله وخلقها بكلامه الذي هو: صفة من صفات ذاته، وقد قضى الله وقدر أن عيون بني آدم تصير إلى بلاء، عن قليل والله نسأل خير ذلك المصير وقد يعمي الله عيون كثير من الآدميين فيذهب بأبصارها قبل نزول المنايا بهم، ولعل كثيراً من أبصار الآدميين قد سلط خالقنا عليها ديدان الأرض حتى تأكلها وتفنيها بعد نزول المنية بهم، ثم ينشئها الله بعد، فيصيبها ما قد ذكرنا قبل في ذكر الوجه، (فما الذي يشبه يا ذوى الحجا عين الله التي هي موصوفة بما ذكرنا عيون بني آدم التي وصفناها بعد)؟
ولست أحسب: لو قيل لبصير- لا آفة ببصره ولا علة بعينه، ولا نقص، بل هو أعين، أكحل، أسود الحدق، شديد بياض العينين أهدب الأشفار: عينك كعين فلان، الذي هو: صغير العين، أزرق، أحمر بياض العينين، قد تناثرت أشفاره، وسقطت، أو كان أخفش العين، أزرق، أحمر بياض شحمها، يرى الموصوف الأول: الشخص من بعيد، ولا يرى الثاني مثل ذلك الشخص من قدر عشر ما يرى الأول، لعلة في بصره، أو نقص في عينه، إلا غضب من هذا وأنف منه، فلعله يخرج إلى القائل له ذلك إلى المكروه من الشتم والأذى.
ولست أحسب عاقلاً يسمع هذا المشبه عيني أحدهما بعيني الآخر، إلا وهو يكذب هذا المشبه عين أحدهما بعين الآخر، ويرميه بالعته، والخبل والجنون، ويقول له: لو كنت عاقلاً يجري عليك القلم: لم تشبه عيني أحدهما بعيني الآخر. وإن كانا جميعاً يسميان بصيرين، إذ ليسا بأعميين، ويقال: لكل واحد منهما عينان يبصر بهما، فكيف لو قيل له: عينك كعين الخنزير، والقرد، والدب، والكلب، أو غيرها من السباع، أو هوام الأرض، والبهائم، فتدبروا –يا ذوى الألباب- أبين عيني خالقنا الأزلي، الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال، وبين عيني الإنسان من الفرقان أكثر أو مما بين أعين بني آدم وبين عيون ما ذكرنا؟
تعلموا (وتستيقنوا أن من سمى علماءنا مشبهة) غير عالم بلغة العرب، ولا يفهم العلم، إذ لم يحز تشبيه أعين بني آدم بعيون) المخلوقين، من السباع والبهائم، والهوام، وكلها لها عيون يبصرون بها، وعيون جميعهم محدثة مخلوقة، خلقها الله بعد أن كانت عدما، وكلها تصير إلى فناء وبلى، وغير جائز إسقاط اسم العيون والأبصار عن شيء منها، فكيف يحل لمسلم لو كانت الجهمية من المسلمين أن يرموا من {يثبت لله عينا بالتشبيه، (فلو كان كل ما وقع} عليه الاسم كان مشبها لما يقع عليه ذلك الاسم)، لم يحز قراءة كتاب الله، ووجب محو كل آية بين الدقتين فيها ذكر نقس الله، أو عينه، أو يده، ولوجب الكفر بكل ما في كتاب الله (عز وجل) من ذكر صفات الرب، كما يجب الكفر بتشبيه الخالق بالمخلوق، إلا: أن القوم جهلة، لا يفهمون العلم، ولا يحسنون لغة العرب، فيضلون ويضلون.
والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد في كل ما نقول وندعو إليه.
قال: وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى لا يقال: هي هو ولا: هي غيره ولا: لا هو ولا: لا غيره.
والدليل على أنه متكلم بكلام قديم ومريد بإرادة قديمة: أنه قد قام الدليل على أنه تعالى ملك والملك من له الأمر والنهي فهو آمر نله فلا يخلو: إما أن يكون آمراً بأمر قديم أو بأمر محدث وإن كان محدثاً فلا يخلو: إما أن يحدثه في ذاته أو في محل أو لا في محل.
ويستحيل أن يحدثه في ذاته لأنه يؤدي إلى أن يكون محلاً للحوادث وذلك محال ويستحيل أن يحدثه في محل لأنه يوجب أن يكون المحل به موصوفاً ويستحيل أن يحدثه لا في محل لان ذلك غير معقول فتعين أنه: قديم قائم به صفة له.
ومن وافقهم قال أبو محمد وأما الأحوال التي ادعتها الأشعرية فإنهم قالوا أن هاهنا أحوالاً ليست حقاً ولا باطلاً ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء و قالوا من هذا علم العالم بأن له علماً ووجوده لوجوده و قالوا فإن قلتم أن لكم علماً بأن لكم علماً بالباري تعالى وبما تعلمونه وأن لكم وجوداً لوجودكم ما تجدونه سألناكم ألكم علم بعلمكم بأن لكم علماً وهل لكم وجود لوجودكم وجودكم ما تجدونه فإن أقررتم بذلك لزمكم أن تسلسلوا هذا أبداً إلى ما لا نهاية له ودخلتم في قول أصحاب معمر والدهرية.
وإن منعتم من ذلك سئلتم عن صحة الدليل على صحة منعكم ما منعتم من ذلك وصحة إيجابكم ما أوجبتم من ذلك وكذلك قالوا في قدم القديم وحدث المحدث وبقاء الباقي وفناء الفاني وظهور الظاهر وخفاء الخافي وقصد القاصد ونية الناوي وزمان الزمان وما أشبه ذلك.
و قالوا لو كان للباقي بقاء ولبقاء الباقي بقاء وهكذا أبداً إلى ما لا نهاية له قالوا فهذا يوجب وجود أشياء لا نهاية لها وهذا محال وهكذا قالوا في قدم القديم وقد قدمه وقدم قدم قدمه إلى ما لا نهاية له وفي حدوث المحدث وحدث حدثه وحدث حدث حدثه إلى ما لا نهاية له وهكذا قالوا في زمان الزمان وزمان زمان الزمان إلى ما لا نهاية وفي فناء الفاني وفناء فنائه وفناء فناء فنائه إلى ما لا نهاية له وكذلك ظهور الظاهر وظهور ظهوره وظهور ظهور ظهوره إلى ما لا نهاية له وكذلك القصد والقصد إلى القصد والقصد إلى القصد إلى القصد وهكذا إلا ما لا نهاية له وكذلك النية والنية للنية والنية للنية للنية إلى ما لا نهاية له وكذلك تحقيق الحق وتحقيق تحقيق الحق إلى ما لا نهاية له.
قال أبو محمد: أفكار السوء إذا ظن صاحبها أنه يدقق فيها فهي أضر عليه لأنها تخرجه إلى التخليط الذي ينسبونه إلى السوفسطائية وإلى الهذيان المحض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
أما العدم فإنه من صفات الزمن ومن فيه تقول ملك أقدم من ملك وزمان أقدم من زمان وشيخ أقدم من شيخ أي أنه متقدم بزمانه عليه والزمان متقدم بذاته على الزمان ليس في العالم قدم قديم الأزماني هذا هو حكم اللغة التي لا يوجد فيها غيره أصلاً فالقدم هو التقدم والتقدم متقدم بنفسه على غيره فقط لأن القدم موجود معلوم وهي صفة المتقدم فلا يجوز إنكاره وأما قدم القديم فباطل لأنه لم يأت به نص ولا قام بوجوده دليل وما كان هكذا فهو باطل وأما وجود الموجود فبضرورة الحس أن الموجود حق وأنه يقتضي واجداً وأن الواجد يقتضي وجوداً لما وجد هو فعل الواجد وصفته فهو حق لما ذكرنا ووجود الواجد يوجد بذاته لا بوجود هو غيره لأن وجود الوجود لم يأت به نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل وأما الباري عز وجل فإنه يجد نفسه ويعلمها ويجد ما دونه ويعلمه بذاته لا بوجود هو غيره ولا بعلم هو غيره فقط وكذلك العالم منا يقتضي علماً ولا بد هو فعل العالم وصفته المحمولة فيه عرضاً بيقين ويزيد ويذهب ويثبت أطواراً هذا ما لا شك فيه والعالم منا يعلم أنه يحمل علماً بعلمه ذلك لا بعلم هو غير علمه لأن العالم بالعلم لم يوجب وجوده نص ولا برهان وما كان هكذا فهو باطل وكذلك الباقي مثاله بلا شك والبقاء هو اتصال وجوده مدة بعد مدة وهذا معنى صحيح لا يجوز أن ينكره عاقل فإما بقاء البقاء فلم يأت بإيجاب وجود نص ولا قام به برهان وما كان هكذا فهو باطل ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالبقاء ولا أنه باق كما لا يوصف بالخلد ولا بأنه خالد ولا بالدوام ولا بأنه دائم ولا بالثبات ولا بأنه ثابت ولا بطول العمر ولا بطول المدة لأن الله عز وجل لم يسم نفسه بشيء من ذلك لا في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قال ه قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا قام به برهان بل البرهان قام ببطلان ذلك لأن كل ما ذكرنا من صفات المخلوقين ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين إلا أن يأتي نص بأن يسمي باسم ما فيوقف عنده ولأن كل ما ذكرنا أعراض فيما هو فيه والله تعالى لا يحمل الأعراض وأيضاً فإنه عز وجل لا في زمان ولا يمر عليه زمان ولا هو متحرك ولا ساكن لكن ي قال لم يزل الله تعالى ولا يزال وأما الفناء فإنه مدة للعدم تعدها أجزاء الحركات والسكون ولا يجوز أن تكون للمدة مدة لكنها مدة في نفسها ولنفسها فالقول بالزمان حق لأنه محسوس معلوم وأما القول بزمان الزمان فهو شيء لم يأت به نص ولا قام بحصته برهان وما كان هكذا فهو باطل وأما ظهور الظاهر فهو متيقن معلوم والظهور صفة الظاهر وفعله تقول ظهر يظهر ظهوراً والظهور معلوم ظاهر بنفسه ولا يجوز أن ي قال أن للظهور ظهوراً لأنه لم يأت به نص ولا قام بصحته برهان وما كان هكذا فهو باطل وأما خفاء الخافي فهو عدم ظهوره والعدم ليس شيئاً كما قدمنا وأما القصد إلى الشي والنية له فإنما هما فعل القاصد والناوي وإرادتهما الشيء والقول بهما واجب لأنهما موجودات بالضرورة يجدهما كل أحد من نفسه ويعلمهما من غيره علماً ضرورياً وأما القصد إلى القصد والنية للنية فباطل لأنه لم يأت به نص ولا أوجبهما دليل وما كان هكذا فهو باطل والقول به لا يجوز فهذا وجه البيان فيما خفي عليهم حتى أتوا فيه بهذا التخليط والحمد لله رب العالمين.
الإيمان
الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية أجمعت كتبهم قاطبة على أن الإيمان هو التصديق القلبي ، واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عنه تصديق القلب أم لابد منه ، قال صاحب الجوهرة:ه
وفسر الإيمان بالتصديق والنطق به الخلف بالتحقيق
وقد رجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطي ، فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله لأنه لاشك في تصديقه له بقلبه ، وهو من شابهه على مذهبهم من أهل الجنة !!ه
هذا وقد أولوا كل آية أو حديث ورد في زيادة الإيمان ونقصانه أو وصف بعض شعبه بأنها إيمان أو من الإيمان .
ولهذا أطال شيخ الإسلام رحمه الله الرد عليهم بأسمائهم كالأشعري والبلاقلاني والجويني وشراح كتبهم وقرر أنهم على مذهب جهم بعينه ، وفي رسالتي فصل طويل عن هذه القضية فلا أطيل به هنا.
- بين المرجئة التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون العمل لصحة الإيمان ، وبين الجهمية التي تقول يكفي التصديق القلبي . ورجح الشيخ حسن أيوب من المعاصرين إن المصدق بقلبه ناجٍ عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين ، ( تبسيط العقائد الإسلامية ٢٩- ٣٢ ) . و مال إليه البوطي ( كبرى اليقينيات ١٩٦ ) . وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثيرة منها : ( أم حسب الذين اجترحوا اليسئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون ) . عليه يكون إبليس من الناجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم ، وكذلك أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كثير .
- الأشاعرة مضطربون في قضية التكفير فتارة يقولون لا تكفر أحداً ، وتارة يقولون لا تكفر إلا من كفرنا ، وتارة يقولون بأمور توجب التفسيق و التبديع أو بأمور لا توجب التفسيق ، فمثلاً يكفرون من يثبت علو الله الذاتي أو من يأخذ بظواهر النصوص حيث يقولون : إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر . أما أهل السنة والجماعة فيرون أن التكفير حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يستحقه شرعاً ، ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفرة بإثبات شروط وانتفاء موانع
وافق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ ، وأمور الآخرة من : الحشر والنشر ، والميزان ، والصراط ، والشفاعة والجنة والنار ، لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق صلى الله عليه وسلم ، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة ، وبذلك جعلوها من النصوص السمعية .
- كما وافقوهم في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم ، وأن ما وقع بينهم كان خطأً وعن اجتهاد منهم ، ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم ، لأن الطعن فيهم إما كفر ، أو بدعة ، أو فسق ، كما يرون الخلافة في قريش ، وتجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر ، ولا يجوز الخروج على أئمة الجور . بالإضافة إلى موافقة أهل السنة في أمور العبادات والمعاملات .
إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيمان، وندين بأنه يقلب القلوب وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل( )، وأنه عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع( ) كما جاءت الرواية عن رسول الله.
وندين بألا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله بالجنة، ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
ونقول: إن الله عز وجل يخرج قوماً من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة محمد رسول الله تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله.
ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وأن الميزان حق والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وأن الله عز وجل يوقف العباد فى الموقف ويحاسب المؤمنين.
وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ونسلم بالروايات الصحيحة فى ذلك عن رسول الله التى رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهى إلى الرسول ، وندين( ) بحب السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ونثنى عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم أجمعين.
القرآن
وقد أفردت موضوعه لأهميته القصوى ، وهو نموذج بارز للمنهج الأشعري القائم على التلفيق الذي يسميه الأشاعرة المعاصرون التوفيقية حيث انتهج التوسط بين أهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في كثير من الأصول فتناقض واضطرب .
فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى عليه السلام ويسمعه الخلائق يوم القيامة .
ومذهب المعتزلة أنه مخلوق .
أما مذهب الأشاعرة فمن منطلق التوفيقية – التي لم يحالفها التوفيق – فرقوا بين المعنى واللفظ ، فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء .
واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أما الكتب المنزلة ذات الترتيب والنظم والحروف – ومنها القرآن – فليست هي كلامه تعالى على الحقيقة ، بل هي عبارة عن كلام الله النفسي ، والكلام النفسي شيء واحد في ذاته ، لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة وإن جاء بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن ، فهذه الكتب كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه
واختلفوا في القرآن خاصة فقال بعضهم : إن الله خلقه أولاً في اللوح المحفوظ ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون : إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم فالنزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال – لأنهم ينكرون علو الله – ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي من هو ؟ فقال بعضهم : هو جبريل ، وقال بعضهم : بل هو محمد صلى الله عليه وسلم !
واستدلوا بمثل قوله تعالى : ( إنه لقوم رسول كريم ) في سورتي الحاقة والانشقاق حيث أضافه في الأولى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إلى جبريل بأن اللفظ لأحد الرسولين جبريل أو محمد وقد صرح الباقلاني بالأول وتابعه الجويني .
قال شيخ الإسلام : وفي إضافته تعالى إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة أحداث لشيء منه وإنشاء كما يقول بعض المبتدعة الأشعرية من أن حروفه ابتداء جبريل أو محمد مضاهاة منهم في نصف قولهم لمن قال إنه قول البشر من مشري العرب.
وعلى القول أن القرآن الذي نقرؤه مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا ، فكشف بذلك ما أراد شارح الجوهرة أن يستره حين قال : يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم .
. يقول تعالى : (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله))
ان القران كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولا، وانزله على رسوله وحيا ، وصدّقه المؤمنون على ذلك حقا، وايقنوا انه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية .
" قمن سمعه قزعم انه كلام البشر فقد كفر ، وقد دمه الله وعابه واوعده بسقر". حيت قال تعالى (( ساصليه سقر )) – المدسر : ٢٦ .
فلما اوعدالله بسقر لمن قال (( ان هذا قول البشر)) – المدسر : ٢٥
افعال العباد
إن تركيب الإنسان النفسي والعضوي, و واقعه المشهود على مدار التاريخ, وطبيعة الحياة كما خلقها الله تعالى، و "الكبد" الذي خلق الإنسان فيه. و "الكدح" الذي لا ينفك عن بشر لتجيب جميعها بلا .
فالإنسان مع حرصه الفطري العنيد ومع السعي الدائم والحركة اللاهثة المستمرة يشتمل في تركيبه الذاتي على موانع كثيرة تحول بينه وبين استقلاله بذلك، ومنها على سبيل التمثيل "الضعف, الجهل، الظلم، العجلة، النسيان"
{إنه كان ظلموما جهولا} [ الأحزاب : ٧٢ ] .
{وخلق الإنسان ضعيفا} [ الأحزاب : ٢٨ ] .
{خلق الإنسان من عجل} [ الأنبياء : ٣٧ ] .
{ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي} ( )[ طه : ١١٥ ] .
والله تعالى هو وحده الذي يريد الشئ فيكون. {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [ يس : ٨٢ ] .
أما الإنسان فالمسألة بين إرادته الشئ وتحققه له قد تكون من الطول بحيث تستنفذ كل العمر وتستهلك كل الكدح وتبلغ به الغاية من الكبد ، بل قد لا يتحقق له مراده أصلاً مهما كدح وكابد .
وهذه المسافة هي معترك الخواطر والإرادات والانفعالات كما هي معترك العمل والنصب والجهد.
فالبواعث لا تفتر والمطامع لا تقف عند حد, ومع ذلك فالعوارض الباغتة والحوائل المانعة كالسهام المشرعة, حتى إن حصول المراد ليس إلا بداية لمخاوف كثيرة من احتمال فواته أو فوات العمر قبل الاستمتاع به, فالكبد والهم لاستدامته لا يقل عنهما للحصول عليه.
وهكذا يكون القلب البشري كجناح الطائر لا يكاد يقف حتى يرف، ويظل- العمر كله - ميدانا لمتعارضات تتعاوده ومتضادات تنتابه من خوف ورجاء, وحب وكره, واستكبار وانكسار, وغفلة وتذكر, وشك ويقين, وفرح وترح .
وهذه هي أعمال القلوب التي لا ينفك منها قلب بشري قط .
ومنشأ عدم الانفكاك أن الافتقار الذاتي ملازم للوجود الإنساني شامل للحياة كلها ؛ طولا : من لحظة الميلاد - بل من قبله - إلى لحظة الممات , وعرضاً : مهما اتسعت الإرادات والمطامع والأعمال .
ولما كانت أعمال القلوب هي الأصل في حركة الإنسان وسعيه ، كانت موضع التعبد الأصلي , ومحط نظر المعبود من العباد : " التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره ثلاث مرات " ( ). " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "( ) .
فإذا تذكرنا ما سبق تقريره من أن الله عز وجل - بلطفه وحكمته - أنزل الدين متسقا مع حقيقة النفس الإنسانية مساويا لفطرتها السوية علمنا أنه لا شيء من أعمال القلوب يقع خارج مجال التعبد بحال من الأحوال .
ومن ثم انقسم الناس من حيث الأصل فريقين :
أ. مؤمن يعبد الله وحده .
ب. مشرك يعبد غير الله معه أو من دونه .
وهذا - كذلك - هو السر في كون الإيمان درجات متفاوتة في قلوب الفريق الأول .
وهذا الإجمال يتضح بالفقرة التالية التي نريد بها العبور من الحقيقة النفسية إلى الحقيقة الشرعية .
إن ما سبق تقريره بشأن الافتقار الذاتي وتفرع أعمال القلوب عنه , هو وصف للحقيقة الإنسانية من حيث هي- مؤمنة أو كافرة - ولهذا نجده مشتركا بين فريقي البشر يحسه كل إنساني في نفسه سواء أعرب عنه لسانه أم عجز .
ولكن نقطة الالتقاء هذه يتفرع عنها طريقان مختلفان تمام الاختلاف - طريق الإيمان وطريق الكفر !
وهذا مثله كمثل عربتين تزودتا بوقود واحد وقادهما قائدان متماثلان في الخبرة والدراية . ولكن إحداهما انطلقت ذات اليمين والأخرى ذات الشمال .
ومن أبرز مظاهر الاختلاف بين المؤمن والكافر بالنظر إلى أن كلا منهما حارث وهمام كادح ومكابد مفتقر إلى غيره :
أ. اختلاف غاية كل منهما ومراده ومحبوبه ( ).
ب. اختلاف الأسباب الوسائط التي يتعلق بها القلب لتحقيق غاياته ومراداته .
ج. الاختلاف في الإقرار بحقيقة الافتقار بين حال وحال .
وكل هذا جاء تفصيله في القرآن والسنة على أكمل الوجوه , وقد جمعتها سورة الفاتحة من كل أطرافها واستوعبت كل معانيها .
رأية الله
وندين بأن الله تعالى يُرَى فى الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله ، ونقول: إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون فى الجنة، كما قال الله عز وجل: ))كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون(( ( )، وإن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية فى الدنيا، وإن الله سبحانه وتعالى تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه فى الدنيا، ونرى بألا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمور، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون. ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً.
يبدأ ابن حزم بإيراد أقوال الفرق بهذه المسألة، وعادة ما يكون التقسيم من فريقين: قال أبو محمد: ذهبت المعتزلة وجهم بن صفوان، إلى أن الله عز وجل يرى في الآخرة...... وذهب المجسمة إلى أن الله تعالى يرى في الدنيا والآخرة.
وذهب جمهور أهل السنة والمرجئة، وضرار بن عمرو( ) ، من المعتزلة إلى أن الله يرى في الآخرة، ولا يرى في الدنيا وقال الحسين بن محمد النجار هو جائز لم يقطع به ( ) ، وهكذا يورد ابن حزم آراء المتكلمين في مسألة الرؤية على شكل ملخص موجز، ثم يبدأ بعد ذلك بتفنيد أقوال المخالفين وهم المجسمة والمعتزلة مبيناً إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة: (( بقوة غير القوة الموضوعة في العين الآن، لكن بقوة موهوبة من الله عز وجل )) ( ) ، ثم يورد حجة المعتزلة في ذلك وهي قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الأنعام : ١٠٣) ، حيث يقول: (( وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك عندنا في الله زائد على النظر والرؤية)) ( ) ، ثم يبين معنى الإدراك والرؤية والفرق بينهما، وهذا مبحث لغوي قد أوضحنا أسلوب ابن حزم فيه، وبعد أن ينتهي من ذلك يورد بعض الاعتراضات للمعتزلة منها قول الجبائي( ) أن (( إلى )) في قوله تعالى:﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (القيامة : ٢٢ - ٢٣) ، ليست حرف جر لكنها اسم وهي: ( واحدة الآلاء وهي النعم، وهي في موضع مفعول ومعناه نعم ربها منتظرة) ( ) يقول ابن حزم راداً هذه الدعوى: ( هذا بعيد لوجهين ....إلخ) ثم يورد رده المحبك المدعوم بالأدلة، حتى إذا انتهى من ذلك كله بدأ بتقرير الرؤية ورؤية الله تعالى يوم القيامة كرامة للمؤمنين لا حرمنا ذلك الله من فضله ) ( )
الخلاصة
و العقائد الاسلامية عندهم :
• ويعتقدون أنّ الله تعالى مدعوّا ياسمائه ، موصوف بالصفاته التى سمي و وصف بها نفسه و وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم .
• فهو تعالى ذو العلم والقوة والقدرة والسمع واليصر والكلام ، كما قال الله نعالى :
( - طه : ٣٩ ) ، ( - هود : ٣٧ ) وقال ( - توبة : ٦ ) ، ( - النساء : ١٦٤ ) ، ( - النحل : ٤٠ )
• ويقولون انّ القران كلام الله غير مخلوق ، وانه كيفما تصرّف ، بقراءة القارى له وبلفظه و محفوظا فى الصدور ، متلوّا بالالسن ، مكتوبا فى المصاحف غير مخلوق ، ومن قال بخلق اللفظ بالقران يريد به القران فقد قال بخلق القران.
• ويقولون انه لاخلق الحقيقة الا الله وان الاكتساب العباد كلها مخلوقة لله ، وان الله يهدى من يشاء ، ويضل من يشاء ، لاحجة لمن اضلّه الله عزّ وجلا ولاعذر ، كما قال الله عزّوجل : ( - الانعام : ١٤٩ ) وقال : ( • - الاعراف : ٢٩-٣٠) ، ( • - الاعراف : ١٧٩ ) وقال : ( - الحديد : ٢٢ ) ومعنى (نبرأها ) : نخلقها بلا خلاف فى اللغة .
• ويقولون ان الخير والشر والحلوّ والمرّ بقضاء من الله عزّ وجل امضاه وقدره ، لايمنكون لانفسهم ضرّ ولا نفعا الا ما شاء الله.
• ويقولون ان الايمان قول وعمل و معرفة يريد بالطاعة وينقص بالمعصية ومن كثرت طاعته ازيد ايمانا ممن هو دونه فى الطاعة.
• ويعتقدون جواز الرأية من العباد المتفين لله عزّ وجل فى القيامة دون الدنيا ، و وجوبها لمن جاء على ذلك ثوابا له بالاخرة كما قال و ووحويها لمن جعل ثوابا له فى الاخرة كما قال : ( - القيامة : ٢٢ ) وقال فى الكفّار : ( • - المظفّفين : ١٥ ) فلو كان المؤمن كلهم يرونهم والكافر كلهم لا يرونهوم كانوا ياجماعهم عنه محجوب.
والله اعلم بالصواب
المراجع
• مصطفى بن محمد بن مصطفى, أصول وتاريخ الفــرق الإسـلاميـة (مصر: مكتبة مشكاة الإسلامية: 1424 هـ - 2003 م)
• أبي الفتح محمد عبد الكريم الشهرستاني, الملل والنحل (بيروت: دار الفكر, 2005م)
• عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي, الفرق بين الفرق (بيروت: دار المعرفة)
• للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله ، منهج الأشاعرة في العقيدة ، (مصر: مكتبة مشكاة الإسلامية)
• الإمام محمد أبو زهرى, تاريخ المذاهب الإسلامية (القاهرة: دار الفكر العربي, 1996م)
• Abdul Rozak, Rosihon Anwar, Ilmu Kalam (Bandung: Pustaka Setia kawan, 2006, cet.II)
• Tim Karya Ilmiyah Santri Lirboyo 2008, Aliran-Aliran Teologi Islam, (Kediri: Lirboyo, 2008, cet.1)
المقدم
الحمد لله الذي خلق السماوات وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون , وصلى الله وسلم على رسوله المبعوث رحمة للعالمين ، الذي أوضح الحجة وأبان المحجة وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.. أما بعد :
فإن التفرق في الدين والتخاصم في رب العالمين سنة الأمم قبلنا وواقع حالنا بعدهم ، وقد كانت أول فرقة مرقت من الدين وشقت صفوف المسلمين هي ( الخوارج ) . وإنما كان ضلالها حينئذ في مسألة الإيمان ؛ إذ كفرت المسلمين بالذنوب ، واستحلت دمائهم وأموالهم ، ثم تتابعت الفتن وظهرت الفرق ، وكلما ظهرت البدع وانتقـصت الطاعات وارتكـبت المحرمات ازداد حال الأمة تفرقاً وذلاً وضلالاً.
هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ربى أصحابه على التسليم والاتباع والسمع والطاعة ، فلا تقديم بين يدي الله ورسوله ، ولا اعتراض على أمره ، ولا تولي عن طاعته، فكانوا خير أصحاب وحواريين كما كان نبيهم صلى الله عليه وسلم خير نبي ورسول .
آمنوا بالله ورسوله الإيمان الصادق الحي الذي أثنى الله تعالى عليهم به في كتابه ، وما عرفوه فلسفة ولا نظريات ولا جدلاً ، وإنما هو الطاعة في المنشط والمكره ، والصبر في الرخاء والشدة ، والجهاد بكل معنى من معاني الجهاد.
لم يزل هذا الإيمان يكمل ويزداد من زمن الاضطهاد والحصار بمكة ، إلى أحداث أحد والخندق بالمدينة ، إلى أيام مؤتة وحنين وتبوك ، حتى استقامت نفوسهم وزكت قلوبهم وصلحت أعمالهم ، فما قبض الله تعالى صفيه من خلقه إلا وقد صاروا أهلاً لحمل الأمانة وإبلاغ الرسالة والقيام بأمر هذا الدين كله .
فاجتثوا خبث المرتدين ، ثم ثنوا بالدولتين العظمتين فركبوا إليها البر الأجرد والبحر الأخضر ، وما كانت إلا سنوات معدودات حتى أنفقت كنوز كسري وقيصر في سبيل الله عز وجل ، وأصبحت الظعينة تسير من خراسان إلى الأندلس لا تخاف إلا الله، ودفع ملوك الهند والصين الجزية لأتباع خاتم المرسلين ، وخمدت نار المجوسية وخنست النواقيس والصلبان إلى غياهب أوروبا الهمجية ، وظهر أمر الله وأعداؤه كارهون .
كما أشكر للجامعة معهد العلى هاشم الاشعرى، مما أتيح لي من فرصة لطلب العلم ، وأخص بالشكر الأخوة العاملين بمركز البحث العلمي، وكذا كل من قدم لي خدمة ، أو أسدى إلى توجيهات من الأساتذة الكرام أو الأخوة الزملاء.
والحمد لله أولاً وآخراً
فهرس
المقدم.......................................................................................................................1
الحسن الأشعري و الأشاعرة.................................... ..................................................2
ظهور الأشاعرة.....................................................................................................2
أبو الحسن الأشعرى...................................................................................................2
النشأة.......................................................................................................................4
الإنتشار....................................................................................................................5
الافكار العقائدية.........................................................................................................6
مصدر التلقي .........................................................................................................6
الإيمان...................................................................................................................13
القرآن....................................................................................................................14
افعال العباد.............................................................................................................16
رأية الله..............................................................................................................18
المراجع
فهرس
المقدم.......................................................................................................................ii
فهرس.....................................................................................................................iii
الحسن الأشعري و الأشاعرة.................................... ..................................................1
ظهور الأشاعرة.....................................................................................................1
أبو الحسن الأشعرى...................................................................................................1
النشأة.......................................................................................................................4
الإنتشار....................................................................................................................5
الافكار العقائدية.........................................................................................................7
مصدر التلقي ..........................................................................................................9
الإيمان...................................................................................................................15
القرآن....................................................................................................................14
افعال العباد.............................................................................................................16
رأية الله...............................................................................................................21
المراجع..................................................................................................................23
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
TERIMAKASIH