القدرية
تعريفه
للقدرية إطلاقان ، خاص وعام .
فالقدرية بالمعنى الخاص : هم المنكرون للقدر ( أي المكذبون بتقدير الله تعالى لأفعال العباد أو بعضها ) أي : الذين قالوا : لا قدر ( من الله ) والأمر أنف أي مستأنف ليس لله فيه تقدير سابق كما سيأتي بيانه .
والقدرية بالمعنى العام : هم الخائضون في علم الله تعالى وكتابته ومشيئته وتقديره وخلقه بغير علم ، وبخلاف مقتضى النصوص وفهم السلف ويشمل ذلك الأصناف التالية :
1- القدرية النفاة الذين أنكروا القدر أو بعضه ( المعبدية والغيلانية والمعتزلة)
2- الجبرية الذين زعموا أن الإنسان لا اختيار له ألبته ( الجهمية ) .
3- المعترضة والمشككة في القدر ( طوائف كثيرة ) .
4- الذين خاضوا في مسألة الكسب والاستطاعة بخلاف ما عليه السلف (الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ) .
والقدرية كغيرها من سائر الفرق بدأت مقولاتها قليلة وحذرة ، ثم تطورت واتسعت ، تجذرت حتى صارت لها أصول وقواعد وشعب ومقولات وفرق ودعاة . ويمكننا تلخيص المراحل التي مرت بها القدرية بما يلي :
1- المرحلة الأولى : ( ظهور القدرية الأولى ) :
وتتمثل في مقولات معبد الجهني ت (80) وأتباعه ، ثم غيلان الدمشقي وأتباعه ت (105)وتتخلص بأن الله تعالى ( بزعمهم ) لم يقدر أفعال العباد ولم يكتبها ، ولأن الأمر أنف ( أي مستأنف ) لم يكن في علم الله ولا تقديره السابق ) .
وكانت بدايات كلامهم في هذا بعد سنة 63 هـ وهو تاريخ نشأة القدرية الأولى ، إذن فالقدرية الأولى هم ( الذين أنكروا علم الله السابق ، وزعموا أن الله تعالى لم يقدر أفعال العباد سلفاً ، ولم يعلمها ولم يكتبها في اللوح المحفوظ ، وأن الأمر أنف ( أي مستأنف ) ليس بتقدير سابق من الله تعالى مما استقل العباد بفعلها ) وهذه مقولة غالية في القدر حيث تنكر العلم والكتابة وتقدير عموم أفعال المكلفين خيرها وشرها فيما يظهر ) .
هذا أول أمرهم ، فلما أنكر الأئمة هذا القول صار جمهور القدرية . غيلان الدمشقي المقتول سنة 105 تقريباً :
غيلان الدمشقي هو الرجل الثاني بعد معبد الجهني من رؤوس بدعة القدرية وقد ظهرت مقولته بالشام وافتتن بها خلق وتأثر بها عدد من أهل العلم والفضل ومنهم ثور بن يزيد ت 105 ومكحول الشامي ت بضعة عشر ومائة ولكنه رجع .
2- المرحلة الثانية : القدرية الثانية ( المعتزلة والجهمية ومن تابعهم ) :
ظهرت القدرية الثانية بظهور المعتزلة في أول القرن الثاني الهجري وتتمثل بمقولات المعتزلة والجهمية وأهل الكلام في القدر ، فالقدرية في هذه المرحلة توسعت مقالاتها وتشعبت بين الفرق على النحو التالي :
أ. شعبة صارت ضمن المعتزلة القائلين بأن الإنسان مقدر أفعاله وهو خالقها ومنشؤها ، ولم تقدر عليه قبل ، وهذه هي وريثة ( القدرية الأولى ) النفاة .
ب. وشعبة منها صارت في الجهمية الجبرية القائلين بأن الإنسان مجبور على أفعاله كالريشة في مهب الريح ، فلا اختيار له ، وهذه هي ( القدرية الجبرية الخالصة ) وقد ظهرت فيما بعد في عقائد كثير من المتصوفة والفلاسفة .
ت. وشعبة ثالثة صارت أقرب إلى الجبرية ، وهم القائلون بالكسب من الأشاعرة ومن سلك سبيلهم .
وأما الجبرية فأساس مذهبهم يرتكز على رجلين . الأول كما يليق بجلاله وعظمته ( جعد بن درهم ) صاحب المذهب والثاني (جهم بن صفوان ) ناشر المذهب . اولاً : ( جهم بن صفوان ) الناشر كان يقول : أن الإنسان مجبور في أفعاله وأنه لا اختيار له ولا قدرة وأنه كالريشة المعلقة في الهواء إذ تحرك تحركت وإذا سكن سكنت وإن الله سبحانه قدر عليه أعمالاً لابد أن تصدر منه وجادل جهم في مذهبه ( مقاتل) المفسر .
الجبرية
تعريفه
الجبرية الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب والجبرية أصناف فالجبرية الخالصة التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا. والجبرية المتوسطة التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في العقل وسمي ذلك كسبا فليس بجبري. والمعتزلة يسمون من لم يثبت للقدرة الحادثة في الإبداع والأحداث استقلالا جبريا ويلزمهم أن يسموا من قال من أصحابهم بأن المتولدات فقال لا فاعل لها جبريا إذ لم يثبتوا القدرة الحادثة فيها أثرا والمصنفون في المقالات عدوا النجارية والضرارية والكلامية من الجبرية وكذلك جماعة الكلامية من الصفاتية والأشعرية سموهم تارة حشوية و تارة جبرية .
أصحاب جهم من صفوان يقول "إن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة، إنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات وتنسب إليه الأفعال مجاز كما تنسب إلى الجمادات كما يقال أثمرت الشجرة وجرى الماء، وترك الحجر، وطلعت الشمس وغربت إلى غير ذلك، والثواب والعقاب خبر كما أن الأفعال كلها جبر قال وإذا أثبت الجبر فالتكليف أيضا كان الجبر.
لقد احتاج الاُمويون منذ البداية إلى تبرير سياستهم الجائرة و ركوبهم المعاصي ، فذهبوا إلى تأويل بعض آي القرآن الكريم بما يفيد الجبر و التسيير ، ليقولوا للناس إنّ ما صنعناه إنّما هو من قضاء اللّه تعالى و قدره ، و ليس من أيدينا ، بل حتّي مناصبهم هذه فهي من اللّه تعالى فهو الذي جاء بهم إلى الملك و ملّكهم ، لأنّه تعالى مالك الملك يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممّن يشاء!! هكذا ليكونوا أبرياء من كلّ ما ارتكبوه في طريقهم إلى انتزاع الملك! و ليكونوا مخوّلين في كلّ ما يصنعون بعد ذلك.. و بمثل هذا التأويل الفاسد أصبح يتكلّم بعد هم علماء كبار!! يقول ابن العربي في معرض « تأسّفه! » على مصرع الحسين عليه السلام : « و لو لا معرفة أشياخ الصحابة و أعيان الاُمّة بأنّه أمر صرفه اللّه عن أهل البيت... و ما أسلموه أبداً » !
و الحقّ أنّنا لو تقدّمنا في عمق التاريخ لو جدنا هذه المقولة قد تقدّمت عصر معاوية في ظهور سابق بها على لسان عمر بن الخطاب ، و هو يردّ علي ابن عباس تذكيره بإرادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تنصيب عليّ لخلافته ، فيقول : و ماذا كان ، إذا أراد رسول اللّه شيئاً غيره؟! و في الحإلين كان (نظام الغَلَبة) هو الباعث إلى هذه المقولة!
و لقد حاول معاوية أن يجعل منبره منبراً لهذه العقيدة ، لكنه اصطدم في أول محاولة له بعقل ٍ حرّ أفسد عليه حيلته : خطب معاوية خطبةً قال فيها : إنّ اللّه تعالى يقول : (وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نَنَزِّلُهُ إِلَّا بـِقَدَر ٍ مَعْلُومٍ) فعلامَ تلومونني إذا قصّرتُ في إعطائكم؟! فقال له الأحنف بن قيس : إنّا و اللّه ما نلومك على ما في خزائن اللّه ، و لكن على ما أنزله لنا من خزائنه فجعلتَهُ أنتَ في خزائنك و حُلتَ بيننا و بينه!
عندئذ ٍ أخذتْ هذه العقيدة تتمدّد و تنتشر بالسبل الاُخرى و بدعم صريح من السلطة حتّى صار لها نفوذ واسع في وقت مبكّر جداً. قيل لابن عبّاس : إنّ هاهنا قوماً يزعمون أنّهم أتوا ما أتوا من قِبل اللّه تعالى ، و أنّ اللًه أجبرهم على المعاصي! فقال : لو أعلم أنّ هاهنا منهم أحداً لقبضتُ على حلقه فعصرته حتّى تذهب روحه ،ا تقولوا أجبر اللهُ علي المعاصي و لا تقولوا لم يعلم اللّه ما العباد عاملون! و لقد أدرك ابن عبّاس أنّ مصدر هذا الانحراف الفكري هو السلطة و أنصارها ، فخاطبهم خطاباً عنيفاً ، قال فيه : أتأمرون الناسَ بالتقوى و بكم ضلّ المتّقون؟! و تنهونَ الناس عن المعاصي و بكم ظهر العاصون؟! يا أبناء سَلَف المنافقين ، و أعوان الظالمين ، و خزّان مساجد الفاسقين! هل منكم إلا مفتر ٍ على اللّه ، يجعل إجرامه عليه سبحانه و ينسبه علانيةً إليه؟! . واقتحمت هذه العقيدة البصرة ، ورقت إلى مجلس الحسن البصري ، فزجر أصحابها و قال : « إنّ اللّه خلقَ الخلق للابتلاء ، لم يطيعوه بإكراه و لم يعصوه بغَلَبة ، و هو القادر على ما أقدر هم عليه ، و المالك لما ملكهم إيّاه ، فإن يأتمروا بطاعة اللّه لم يكن لهم مثبّطاً ، بل يزيدهم هدىً إلى هداهم و تقوىً إلى تقواهم ، و إن يأتمروا بمعصية اللّه كان أللّه قادراً على صرفهم ، إن شاء حال بينهم و بين المعصية ، فمن بعد إعذار و إنذار » .
و رغم تلك المواجات فقد ترقّى الأمر بهذا المذهب حتّى دان به كبار من أهل العلم و دافعوا عنه حتّى أصبح هو المذهب الغالب في ملّة الإسلام ، حتّى انتقل إلى الأشعري فعزّزه و نفخ فيه روحاً جديدة ، بعد تعديل لفظي أدخله بعنوان (الكسب) و هو مفهوم اعتباري ليس له أيّ قيمة حقيقية ، و إنّما اُريد به المتيّز عن الجبرية الخالصة التي طالما سخر منها الأشعري أيّام كان معتزليّاً. و منذ زمن عبدالملك بن مروان كان أقطاب هذا المذهب في الشام يروّجون لفكرة جديدة تساهم في تطويره ، لكنّها افتضحت حين لم يتقنوا صياغتها ، إذ كانوا يقولون : إنّ اللّه إذا استرعى عبداً رعيّته كتبَ له الحسنات ، و لم يكتب عليه السيئات!. لكنّها كانت مقولة هزيلة تردّد حتّى الوليد بن عبدالملك في قبولها.
و بقيت هذه المقالة تَتّهم اللّه تعالى بإكراه العبد على المعاصي ، و أنّه تعالى هو الخالق لهذه المعاصي التي تجري علي أيدي العباد ، ثمّ هو يعذّبهم عليها! بحجّة ساذجة يردّدونها دوماً ، مفادها أنّ اللّه تعالى لا يُعصى مكرَهاً ، فهو إذن لا يعصى إلا و هو يريد هذه المعصية أن تقع من العاصي ، ثمّ هو الذي يخلقها فيه و بين إيجاد اللّه لأفعال العبد ، هناك قدرة حادثة مقارنة لقدرة اللّه ، و هي الكسب. لأنّه (خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ)
!هكذا دون تمييز بين إرادة تكوينية و إرادة تشريعية ، ولا عرفة صادقة بمعاني هيمنة اللّه تعالى و قدرته.
المفوّضة « القدريّة » :
إنّ دعوة الاُموييّن لتثبيت دعائم الجبرية كانت السبب المباشر في ظهور الاتجاه العقيدي المعاكس الذي أنكر الجبر ، و نادى بحرية الاختيار الإنساني. و في نفس الموطن الذي نبتت فيه عقيدة الجبر و ترعرعت نشطت العقيدة المعاكسة ، و إن كان أوّل ظهور لها في العراق على يد التابعي معبد الجهني ، و عنه أخذها صاحبه غيلان الدمشقي.
فكانت هذه العقيدة ردّ فعل صريح للقول بالجبر. ففي أوّل لقاء لمعبد الجهني بالحسن البصري في البصرة ، قال له : يا أبا سعيد ، إنّ هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين و يأخذون أموالهم ، و يقولون : إنّما تجري أعمالنا على قَدَر اللّه! فقال له الحسن البصري : كذبَ أعداءُ الله! و ثار معبد علي الاُمويين في حركة القرّاء أيام عبدالملك بن مروان ، فأخذه الحجّاج بعد فشل الحركة فعذّبه ثمّ قتله .
و مضى غيلان في دمشق يشنّع على الاُمويين و أنصارهم في استنكار مقولتهم الجبرية ، حتّى أحسّ أنّهم طلبوه ، فهرب منهم حتّى زمن عمر بن عبدالعزيز ، فلمّا رأى منه عدلاً كتب إليه كتاباً يذكّره فيه و يعظّم عليه مقولة سَلَفه ، مما جاء فيها ، قوله : « هل وجدتَ يا عُمر حاكماً يعيبُ ما يصنع؟ أو سصنع ما يُعيب؟ أو يعذّب على ما قضى؟ أو يقضي ما يُعذّب عليه؟! أم هل وجدتَ رحيماً يكلّف العباد فوق الطاقة؟ أو يعذّبهم على الطاعة؟! أم هل وجدت عدلاً يحمل الناسَ عل الظلم و التظالم؟ و هل وجدتَ صادقاً يحمل الناس على الكذب و التكاذب؟! كفى ببيان هذا بياناً ، وبالعمى عنه عمى! .
فدعاه عمر بن عبدالعزيز فسأله عن عقيدته ليناظره فيها ، و كان عمر جبرياً ، و كان من وراء عمر حاجب له يشير إلى غيلان بالذبح! فعلم غيلان أنّ عمر قد عزم على قتله ، فأجابه إلى ما أراد ، و قال له : « لقد جئتك ضالاً فهديتني ، و أعمى فبصّرتني ، و جاهلاً فعلّمتني ، و اللّه لا أتكلّم في شيء من هذا الأمر » ! لكنّه عاد إلى الكلام فيه بعد موت عمر ، حتّي قبض عليه هشام بن عبدالملك فقتله بعد مناظرة قصيرة أدارها معه الأوزاعي بدعوة من هشام لتكون ذريعةً إلى القتل الفوري .
و الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء أنّهم حين قالوا بالإرادة و الاختيار فوّضوا كلّ شيءٍ إلى الإنسان و نفوا كلّ أثر لمشيئة اللّه تعالى و إذنه ، ففرّطوا في مشيئة اللّه في مقابل إفراط الجبريين الذي عطّلوا أيّ دور و أثر للإنسان في أقواله و أفعاله! و انتقل هذا المذهب من معبد و غيلان إلى المعتزلة ، فبقي ببقائهم ، ثمّ اضمحلّ باضمحلالهم.
أمّا ما يتناقله أصحاب الفِرَق و تواريخها من نسبة هذه المقولة إلى النصارى و أنّ معبد الجهني أخذها من رجل نصراني ، فهو كلام ليس له قيمة علمية ، و لا يعدو كونه لوناً من ألوان التراشق بالتُّهم بين الخصوم ، مع ملاحظة أنّ هذا الفريق كان يواجه تيار السلطة و أنصارها!
و لهذا السبب نفسه تجد كتب الحديث مليئة بالأحاديث التي تؤيّد عقيدة الجبر ، و تحذّر من « القدرية » و مقولتهم في نفي القدر! و تعدّت الأحاديث تسمية القدرية إلى تسمية غيلان الدمشقي باسمه الصريح و نسبته الدمشقية ، تدينه و تحذّر منه ، و تثني على وهب بن منبّه الذي كان يخاصمه دفاعاّ عن عقيدة السلطان !! الحديث يقول : « سيكون في اُمّتي رجلان : أحدهما يقال له وهب ، يؤتيه اللّه الحكم ، و الآخر يقال له غيلان هو شرّ علي اُمّتي من إبليس » !! بل و لهذا السبب نفسه لُقّب هؤلاء بالقَدَرية و هم نفاة القَدَر ، و هذا اللقب أولى أن يطلق على من أثبت القدر اللازم ، و سرّ ذلك أنّ القويّ المتغلّب لمّا علم بالحديث المروي في ذكر مجوس هذه الاُمّة و قد سماّهم (القدرية) سارع إلى تطويق خصومه به والا حتيال في تبريره! و سوف تأتي شهادة الإمام علي عليه السلام أنّ القدرية الذين شبّههم الحديث بالمجوس إنّما هم القائلين بالجبر ، و الذين سُمّوا جبرية!. هَديُ الكتاب و السنّة في الفعل و الإرادة :
عن عليّ عليه السلام و هو يردّ شبهة علقت في ذهن أحدهم ، قال : « لعلّك تظنّ قضاءً حتماً و قَدَراً لازماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب و الأمر و النهي و الزجر ، و لسقط معنى الوعد و الوعيد ، و لم يكن علي مسيءٍ لائمة ، و لا لمحسن محمدة.. تلك مقالةُ عَبَدةِ الأوثان و خصماء الرحمن ، وقَدَرية هذه الاُمّة و مجوسها.. » !
فهو إلى هنا ينقض مقولة الجبرية و يسمّيهم بالاسم الذي هو أوفق بهم « القَدَرية » لأنّهم الذين أثبتوا القدر اللازم.. ثمّ يُخبر بأنّ هؤلاء هم المرادون في حديث « القدرية مجوس هذه الاُمّة » و ليس خصومهم القائلين بالتفويض! ثمّ يواصل عليه السلام كلامه قائلاً : « إنّ اللّه عزّوجلّ كلّف تخييراً ، و نهى تحذيراً ، و أعطى على القليل ، و لم يُعْصَ مكرَهاً ، و لم يخلق السموات و الأرض و ما بينهما باطلاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار » !
و هذا ردّ على الفريقين : الجبرية و المفوّضة معاً. الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : « إنّ الناس في القَدَر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن اللّه عزّوجلّ أجبر الناس على المعاصي ، فهذا ظَلَمَ اللّه في حكمه ، فهو كافر.. و رجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم ، فهذا قد أو هَنَ اللّه في سلطانه ، فهو كافر.. و رجل يزعم أنّ اللّه كلّف العباد ما يطيقون و لم يكلّفهم ما لا يطيقون و إذا أحسنَ حمدَاللّه ، و إذا أساء استغفر اللّه ، فهذا مسلم بالغ ».
الإمام الرضا عليه السلام ، قال : « ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ، ولا تخاصمون عليه أحداً إلا كسر تموه : إنّ اللًه عزّوجلّ لم يُطَع بإكراه ، ولم يُعْصَ بغَلَبة ، و لم يُهمل العباد في ملكه ، و هو المالك لما ملّكهم و القادر على ما أقدرهم عليه ، فإن ائتمرَ العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادّاً و لا منها مانعاً ، و إن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينَهم و بين ذلك فَعل ، و إن لم يَحُلْ و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ».
و عشرات النصوص في هذا المعنى عن سائر الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ، و هم يشرحون العقيدة الصحيحة ، و يردّون الانحرافات.. و لقد رأينا مثل هذا المعني عند ابن عبّاس و الحسن البصري كما تقدّم ، و على هذه العقيدة أتباع أهل البيت عليهم السلام.
من رؤساء الضلال معبد الجهني وغيلان القدري
ومن رؤسائهم أيضا، وهم أصحاب القدر معبد الجهني، وغيلان القدري، وثمامة بن أشرس، وعمرو بن عبيد، وأبو الهذيل العلاف، وإبراهيم النَّظام، وبشر بن المعتمر، في جماعة سواهم أهل كفر وضلال يعُم.
ومنهم الحسن بن عوقة بن عبد الوهاب الجبائي، وأبو العنبس الصميري، ومن الرافضة المغيرة بن سعيد، وعبد الله بن سبأ، وهشام الفوطي، وأبو الكروس، وفضيل النقاشي، وأبو مالك الحضرمي، وصالح قبة، بل هم أكثر من أن يحصوا في كتاب، أو يحووا بخطاب . هؤلاء -أيضا- من رؤساء الضلال، معبد الجهني هذا أول من تكلم في القدر، معبد الجهني بالبصرة، وكذلك غيلان الدمشقي كلاهما من رؤساء القدرية. أول من تكلم في القدر معبد الجهني بالبصرة، وغيلان الدمشقي، فهما من القدرية، يقول: إنه من أصل نصراني، معاصر للدولة الأموية، والمقصود أنهم من رؤساء القدرية، وثمامة بن الأشرس من المعتزلة أيضا.
وعمرو بن عبيد هذا هو مؤسس مذهب الاعتزال، عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة في القرن الثالث، وهو الذي شرح مذهب المعتزلة، وفرّع المذهب وبناه على الأصول الخمسة وألف لهم كتابين. أصول المعتزلة الخمسة، بنى الكتاب على الأصول التي هي: التوحيد والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر هذه أصول الدين عند المعتزلة. أحدها : أنه يعلم المستقبلات بعلم قديم لازم لذاته ، ولا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة ، وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم ، وهذا قول طائفة من الصفاتية من الكلابية والأشاعرة ، ومن وافقهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة ، وهو قول طوائف من المعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات ، لكن هؤلاء يقولون : يعلم المستقبلات ويتجدد التعلق بين العالم والمعلوم ، لا بين العلم والمعلوم .
وقد تنازع الأولون : هل له علم واحد أو علوم متعددة ؟ على قولين : والأول قول الأشعري وأكثر أصحابه ، والقاضي أبي يعلى وأتباعه ، ونحو هؤلاء والثاني قول أبي سهل الصعلوكي .
والقول الثاني : أنه لا يعلم المحدثات إلا بعد حدوثها ، وهذا أصل قول القدرية الذين يقولون : لم يعلم أفعال لعباد إلا بعد وجودها وأن الأمر أنف ، لم يسبق القدر لشقاوة ولا سعادة ، وهم غلاة القدرية .
والقول الثالث : أنه يعلمها قبل حدوثها ، ويعلمها بعلم آخر حين وجودها ' وهذا قول السلف ، وهو قول أبي البركات صاحب المعتبر من الفلاسفة ، وقول الرازي في المطالب العالية ، وهو مخالف لما ينسب إلى الجهم الذي يقول بتجدد علم قبل الحدوث ، والذي في القرآن أن التجدد يكون بعد الوجود .
يقول شيخ الإسلام : ' لا ريب أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ثم إذا كان :
فهل يتجدد له علم آخر ؟ أم علمه به معدوماً هو علمه به موجوداً ؟ هذا فيه نزاع بين النظار ' ثم قال عن القول الأول وهو أنه يتجدد له علم آخر وإذا كان هو الذي يدل عليه صريح المعقول ، فهو الذي يدل عليه صحيح المنقول ، وعليه دل القرآن في أكثر من عشر مواضع ، وهو الذي جاءت به الآثار عن السلف.
ثالثاً : الإيمان :
أي تصديق النبي ( ، والمراد بتصديق النبي في ذلك : الإذعان لما جاء به والقبول له ، وليس المراد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير إذعان وقبول له حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم .
فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء بل اتفق له ذلك . فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في الحكام الدنيوية ؛ أما المعذور إذا قامت قرينة على إسلامه بغير النطق كالإشارة ، فهو مؤمن فيهما ؛ وأما الآبى بأن طلب منه النطق بالشهادتين ، فأبى فهو كافر فيهما ، ولو أذعن في قلبه فلا ينفعه ذلك ولو في الآخرة ؛ ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو مؤمن في الأحكام الدنيوية غير مؤمن عند الله تعالى ، ومحل كونه مؤمناً في الأحكام الدنيوية ما لم يطلع على كفره بعلامة كسجود لصنم ، وإلا جرت عليه أحكام الكفر . ولا شك ان الاكتفاء بالتصديق من غير النطق باللسان مخالف لعقيدة السلف .
رابعاً: القضاء والقدر :
وسنتكلم فيه عن مسائل :
1- مسألة الحكمة والتعليل :
حيث ذهبوا إلى أن أفعال الله غير معللة خلق المخلوقات ، وأمر المأمورات ، لا لعلة ولا لداع ولا باعث ، بل فعل ذلك لمحض المشيئة ، وصرف الإرادة .
وهذا القول مخالف لمعتقد السلف كما هو معلوم.
2- التحسين والتقبيح :
وسيأتي مذهب الأشاعرة عند قول الناظم ( والحسن والتقبيح للإنسان ) .
3- الكسب :
ذهب الأشاعرة إلى ان الله خالق أفعال العباد ثم أتوا بنظرية الكسب التي ضرب بها المثل في الخفاء ومعناها اقتران القدرة الحادثة بالمقدور من غير تأثير القدرة فيها الأمر الذي جعل أبا المعالي الجويني يرد هذا القول في النظامية ، لكونه يؤدي إلى الجبر حتى قال الرازي إن الإنسان مجبور في صورة مختار ، ثم ذهبوا إلى ان الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لا يجوز أن تتقدمه مخالفين بذلك أهل السنة في إثبات الاستطاعة المصححة للفعل والتي تكون قبله ، واستطالة مقارنة للفعل يجب معها وجود الفعل.
4- ومذهب أهل السنة اثبات أن للعبد قدرة وإرادة حقيقية لكنها مخلوقة لله فأفعاله مخلوقة لأن خالق السبب التام خالق للمسبب ، فإن قيل إن هذا جبر ، قلنا ما قاله شيخ الإسلام : ربما سمي جبراً إذا أمن اللبس حيث قال رحمه الله :
فإن قيل : هب أن فعلي الذي أردته واخترته هو واقع بمشيئتي وإرادتي أليست تلك الإرادة وتلك المشيئة من خلق الله تعالى ؟ وإذا خلق الأمر الموجب للفعل فهل يتأتى ترك الفعل معه ؟ أقصى ما في الباب ان الأول جبر بغير توسط الإرادة من العبد ، وهذا جبر بتوسط الإرادة .
فنقول : الجبر المنفي هو الأول كما فسرناه ، وأما إثبات القسم الثاني فلا ريب فيه عند أهل الاستنان والآثار وأولى الألباب والأبصار لكن لا يطلق عليه اسم الجبر خشية الالتباس بالقسم الأول وفراراً من تبادر الأفهام إليه وربما سمي [جبراً] إذا أمن من اللبس وعلم القصد . قال علي رضي الله عنه في الدعاء المشهور عنه في الصلاة على النبي ( : اللهم داحي المدحوات وباري المسموكات جبار القلوب على فطراتها شقاها أو سعدها .
فبين أنه سبحانه جبر القلوب على ما فطرها عليه : من شقاوة أو سعادة وهذه الفطرة الثانية ليست الفطرة الأولى ، وبكلا الفطرتين فسر قوله ( :' كل مولود يولد على الفطرة ' وتفسيره بالأولى واضح قاله محمد بن كعب القرظي – وهو من أفاضل تابعي أهل المدينة وأعيانهم ، وربما فضل على أكثرهم – في قوله ( الجبار ) ، قال جبر العباد على ما أراد ، وروى ذلك عن غيره وشهادة القرآن والأحاديث ورؤية أهل البصائر والاستدلال التام لتقليب الله سبحانه وتعالى قلوب العباد ، وتصريفه إياها وإلهامه فجورها وتقواها ، وتنزيل القضاء النافذ من عند العزيز الحكيم ، في أدنى من لمح البصر على قلوب العالمين ، حتى تتحرك الجوارح بما قضى لها وعليها بين غاية البيان إلا لمن اعمى الله بصره وقلبه فإن قلت : أنا أسألك على هذا التقدير بعد خروجي عن تقدير الجبر الذي نفوه وأبطلوه وثباتي على ما قالوه وبينوه كيف إنبنى الصواب والعقاب ؟
فهذه الآثار هي التي تورثها الأعمال هي الثواب والعقاب وأفضاء العمل إليها واقتضاؤه إياها كافضاء جميع الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسباباً إلى مسبباتها والإنسان إذا أكل أو شرب حصل له الري والشبع وقد ربط الله سبحانه وتعالى الري والشبع بالشرب والأكل ربطاً محكماً ، ولو شاء أن لا يشبعه ويرويه مع وجود الأكل والشرب فعل ، أما أن لا يجعل في الطعام قوة أو يجعل في المحل قوة مانعة أو بما يشاء سبحانه وتعالى ، ولو شاء أن يشبعه ويرويه بلا أكل ولا شرب أو بأكل شيء غير معتاد فعل .
كذلك في الأعمال : المثوبات والعقوبات حذو القذة بالقذة فإنه إنما سمي الثواب ثواباً ؛ لأنه يثوب إلى العامل من عمله : أي يرجع والعقاب عقاباً لأنه يعقب العمل ؛ أي يكون بعده ، ولو شاء الله أن لا يثيبه على ذلك العمل أما بأن لا يجعل في العمل خاصة تفضي إلى الثواب ، أو لوجود أسباب تنفي ذلك الثواب أو غير ذلك لفعل سبحانه وتعالى وكذلك في العقوبات .
وبيان ذلك ان نفس الأكل والشرب باختيار العبد ومشيئته التي هي من فعل الله سبحانه وتعالى أيضاً ، وحصول الشبع عقب الأكل ليس للعبد فيه صنع ألبتة ، حتى لو أراد دفع الشبع بعد تعاطي الأسباب الموجبة له لم يطق وكذلك نفس العمل هو بإرادته واختياره ، فلو شاء أن يدفع أثر ذلك العمل وثوابه بعد وجود موجبه لم يقدر(1) .
5- السببية :
قال شيخ الإسلام عن الأشعرية أنهم : يقولون إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله تعالى بها المخلوقات ليست أسباباً وأن وجودها كعدمها وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي كاقتران الدليل بالمدلول وكلامهم لما جحد في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل ، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها ولا في القلب قوة يمتاز بها عن الرجل يعقل بها ، ولا في النار قوة تمتاز بها عن التراب تحرق بها ، وهؤلاء ينكرون ما في الأجسام المطبوعة من الطبائع والغرائز .
قال بعض الفضلاء تكلم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع فأضحكوا العقلاء على عقولهم .
ثم إن هؤلاء يقولون لا ينبغي للإنسان أن يقول أنه شبع بالخبز وروى بالماء بل يقول شبعت عنده ورويت عنده ؛ فإن الله يخلق الشبع والري ونحو ذلك من الحوادث عند هذه المقترنات بها عادة ؛ لا بها وهذا خلاف الكتاب والسنة
ونظير هؤلاء الذين أبطلوا الأسباب المقدرة في خلق الله من أبطل الأسباب المشروعة في أمر الله ؛ كالذين يظنون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة وغير ذلك من الخيرات إن كان مقدراً حصل بدون ذلك ؛ وإن لم يكن مقدراً لم يحصل بذلك ، وهؤلاء كالذين قالوا للنبي ( أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب ؟ فقال ' لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له وفي السنن انه قيل :يا رسول الله ؛ أرأيت أدوية نتداوى بها ؛ ورقى نسترقى بها وتقاة نتقيها ؛ هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال: هي من قدر الله ولهذا قال من قال من العلماء :الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو السباب أن تكون أسباباً تغيير في وجه العقل ؛ والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع .
والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات ؛ وجعل هذا سبباً لهذا ، فإذا قال القائل إن كان هذا مقدراً حصل بدون السبب وإلا لم يحصل ؛ جوابه أنه مقدر بالسبب وليس مقدراً بدون السبب ، كما قال النبي ( ' أن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ؛ وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ' وقال ( : ' اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة '(1) .
وقال شيخ الإسلام : وهذا القول الوسط ، وهو إثبات كون الرب خالقاً لكل شيء ، ومع كون أفعال العباد مخلوقة له ، ومع كونها أفعالاً للعباد أيضاً ، وأن قدرة العباد لها تأثير فيه ، كتأثير الأسباب في مسبباتها ، وأن الله خالق كل شيء بما خلقه من الأسباب ، وليس شيء من الأسباب مستقلاً بالفعل ، بل هو محتاج إلى أسباب أخر تعاونه ، وإلى دفع موانع تعارضه ، ولا تستقل إلا مشيئة الله تعالى ، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فما شاء الله كان وإن لم يشأ العباد ، وما لم يشأ لم يكن ولو شاء العباد(1) .
وقال أيضاً :
فلعلك أن تقول بعد هذا البيان : انا لا أفهم الأسباب ، ولا أخرج عن دائرة التقسيم والمطالبة بأحد القسمين وما أنت أن قلت هذا : إلا مسبوق بخلق من الضلال :(كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) وموقفك هذا مفرق طرق إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فيعاد عليك البيان بأن لها تأثيراً من حيث هي السبب كتأثير القلم وليس لها تأثير من حيث الابتداع والاختراع ، ونضرب لك الأمثال لعلك تفهم صورة الحال ، ويبين لك أن إثبات الأسباب مبتدعات هو الإشراك وإثباتها أسباباً موصولات هو عين تحقيق التوحيد ، عسى الله أن يقـذف بقلبك نـوراً ترى هذا البيان ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) فإن قلت : اثبات القدرة سبب نفي للتأثير في الحقيقة فما بال الفعل يضاف إلى العبد ، وما باله يؤمر وينهي ؟ ويثاب ويعاقب وهل هذا إلا محض الجبر ؟ وإذا كنت مشبهاً لقدرة الإنسان بقلم الكاتب وعصا الضارب فهل رأيت القلم يثاب أو العصا تعاقب ؟ وأقول لك الآن ان شاء اله وجب هداك بمعونة مولاك ، وان لم تطلع من أسرار القدر إلا على مثل ضرب الأثر والق السمع وأنت شهيد ، عسى الله ان يمدك بالتأييد.
اعلم أن العبد فاعل على الحقيقة وله مشيئة ثابتة . وله إرادة جازمة وقوة صالحة. وقد نطق القرآن باثبات مشيئة العباد في غير ما آية كقوله : (لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين( (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا( (فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة(
ونطق بإثبات فعله في عامة آيات القرآن : ( يعملون ) ( يفعلون ) (يؤمنون) (يكفرون) (يتفكرون( (يحافظون) ( يتقون).
وكما أنا فارقنا مجوس الأمة بإثبات أنه تعالى خالق ، فارقنا الجبرية بإثبات أن العبد كاسب فاعل صانع عامل ، والجبر المعقول الذي أنكره سلف الأمة وعلماء السنة هو أن يكون الفعل صادراً على الشيء من غير إرادة ولا مشيئة ولا اختيار مثل حركة الأشجار بهبوب الرياح ، وحركة باطباق الأيدي ومثله في الأناسي حركة المحموم والمفلوج والمرتعش فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام الإنسان وقعوده وصلاته وجهاده ، وزناه وسرقته وبين انتعاش المفلوج وانتفاض المحموم ، ونعلم أن الأول قادر على الفعل مريد له مختار ، وأن الثاني غير قادر عليه ولا مريد له ولا مختار .
والمحكي عن جهم وشيعته ' الجبرية ' انهم زعموا :أن جميع أفاعيل العباد قسم واحد ، وهو قول ظاهر الفساد ، وبما بين القسمين من الفرقان انقسمت الأفعال: إلى اختياري ، واضطراري واختص المختار منها بإثبات الأمر والنهي عليه ، ولم يجيء في الشرائع ولا في كلام حكيم أمر الأعمى بنقط المصحف ، والمقعد بالاشتداد أو المحمود بالسكون، وشبه ذلك ،وان اختلفوا في تجويزه عقلاً أو سمعاً فإنما منع وقوعه بإجماع العقلاء أولى العقل من جميع الأصناف خامساً : النبوات : يختلف مذهب الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة في النبوات اختلافاً بعيداً ، فهم يقررون أن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة ، ثم يقررون أنه لا دليل على صدق النبي إلا المعجزة ، ثم يقررون أن أفعال السحرة والكهان من جنس المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي ، قالوا ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالاً من الله وهو يمتنع عليه الإضلال إلى آخر ما يقررونه مما يخالف المنقول والمعقول ، ولضعف مذهبهم في النبوات مع كونها من أخطر أبواب العقيدة إذ كل أمورها متوقفة على ثبوت النبوة أغروا أعداء الإسلام بالنيل منه واستطال عليهم الفلاسفة والملاحدة .
الإختتام
الخلاصة
الجبرية هي الفرقة التي تقول بأن ليس للإنسان القوة ليفعل شيأ ما، وهم يضافوا إلى الله أى أن الله يخلق ما فعله الناس.
أما التعاليم من الجبرية هي:
• أفعال العباد عند الجبرية هي أن الإنسان كالقطن التي تتبع إلى أين الريح هبت.
• صفاة الله عندها هي أن ليس لله صفة يعني هم لا يعتقدون هم لا يعتقدون بأن الله له صفة.
• القرأن هم يزعمون أن القرأن مخلوق وحديث، يقول أيضا باننا لا ننبغي لنفسرها أو نعولها، لأن ظهر تلك الصفاة يدل إلى تشبيه الله المخلوق.
• رؤية الله يوم القيامة هم ينفون رؤية الله يوم القيامة في الجنة.
القدرية هي الفرقة التي تقول بأن للإنسان طاقة مطلقة في تعيين الافعال حسب أرادته واختياره مستقلة عن قدرة الله.
أما التعاليم القدرية هي:
• أن مرتكب الكبيرة ليس كافر ولا مؤمن بل هو فاسق وخالد في النار. وهذه الفكر نشأت يعد قتل عثمان الذي تتعدي فتنة إلى حدوث وقعة الجمال والصفين.
• إن الله يخلق العمل العبد بل العبد نفسه هو الخالق لجميع أفعاله. ولذا يحاسب العيد بما كسبت يداه من الشر والخير.
• يقول بوحدانية الله أى أنه عز وجل لا يثبت له صفة الأزلي كالكلام والقدرة والحياة.
• وير أن العقل للإنسان يستطيع أن يفرق بين الخير والشر.د
الإختتام
الحمد لله رب العالمين نحمده ونشكره الله واحده قد تمت هذه الرسالة بعونه تعالى لعل نافعة مباركة لنا ولكم. أمين.
المراجع
• القرأن الكريم
• الفكر السياسي عند الإباضية. و نسبه إلى ابن تيمية! والصواب أنه كلام معروف قبل ابن تيمية بقرون، فقد نقله البغدادي بنصه في كتاب ؟ الفرق بين الفرق.
• الفكر السياسي عند الإباضية
• العواصم من القواصم – بتعليق محب الدين الخطيب
• ربيع الأبرار \ الزمخشري، منشورات الشريف الرضي.
• المذاهب الإسلامية عن (المنية والأمل) للمرتضى
• العقد الفريد \ ابن عبد ربه 2 دار و مكتبة الهلال – بيروت – 1986 مـ، و نحوه في المذاهب الإسلامية عن المنية والأمل.
• للإمام الزهري استفساره في إبطالها: العقد الفريد 1.
• مختصر تاريخ دمشق
• البداية والنهاية
• Tim karya Ilmiah2008, Aliran-aliran Teologi Islam, Sejarah, Manhaj, dan Pemikiran dari Masa klasik sampai Modern, Agustus. 2008, Lirboyo, Kediri. Jawa Timur. H. 133.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي جعل شعوبا وقبائل لتعارفوا وجعلها رحمة للناس وطريقا واضحا إلى التعاون والتنمية والشكر له تعالى هدانا لللإسلام وفضلنا على جميع الامم. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه و خليله. والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم الذي أدى به ربه فأحسن تأديبه. أما بعد:
نقول شكرا جزيلا لحضرة مدرسنا مدير المعهد هاشم أشعري العالي "بروفيسور الدكتور محمد جمال الدين ميري، ل.س، م.أ" هو الذي قد علمنا في كل حين من الأحيان خصوصا في إتمام هذه الوظيفة التي كانت شرطا من شروط النجاح في المستوى الأول بالمعهد هاشم اشعري العالي تبوئرنج جمبانج جزاكم الله خير الجزاء.
لعل هذه الرسالة نافعة مباركة لنا ولجميع المسلمين وخصوصا لجيمع الطلاب والطالبات بمعهد هاشم أشعري العالي. أمين.
مراتب
روستي ونور أفئدة جزيلة
الفهرس
مقدمة ii
فهرس iii
لقدرية 1
تعريفه 1
1. المرحلة الأولى : ظهور القدرية الأولى 1
2. المرحلة الثانية: القدرية الثانية 2
الجبرية 3
تعريفه 3
من رؤساء الضلال معبد الجهني وغيلان القدري 9
الخلاصة 17
الإختتام 17
المراجع
فرقة الماتوردية
كتبها الفقيران إلى رحمة الله :
سيف الرزال و أحمد غفراني
(( لاستيفاء شروط الإختبار النهائي في الفصل الأول ))
تحت إشراف فضيلة الأستاذ الكريم:
بروفسور الدكتور الحاج جمال الدين ميري, م أ
رقم دفـتر القيد: 825231150
[ حفظه الله تعالى ونفعنا به وبعلومه آمين ]
Tidak ada komentar:
Posting Komentar
TERIMAKASIH